الخوارج.. أول من كفَّر المسلمين ونشر الإرهاب
الإمام تقي الدين: الخوارج يكفرون بالذنوب ويكفرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله، إنهم شر على المسلمين من غيرهم فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم
تحرير:فاطمة واصل
١٦ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٢:٣٨ م
«الجماعات الإرهابية تجدد شعارات الخوارج -الذين قتلوا علي بن أبي طالب- دونما حياء أو خشية»، جملة أوردتها المنطمة العالمية لخريجي الأزهر، في بيان لها، صدر أول من أمس الأحد، للرد على ادعاءات أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي ظهر في فيديو ينتقد فيه الجماعات المنتسبة للعمل الإسلامي لعملهم بالحقل السياسي وفقا للدساتير والقوانين الوضعية «العلمانية» على حد قوله، ولعل هذه الجملة تدفعنا للبحث عن تاريخ الخوارج، للتعرف على أصل هذه الجماعة التي أصّلت للفكر الإرهابي.
لكن قبل التعرف على الخوارج، يجب أن نشير إلى أن بيان «خريجي الأزهر»، ليس الأول الذي يقول إن الخوارج أصل الإرهاب، ففي نوفمبر 2014، أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية، تقريرا حول أهم الجماعات الإرهابية وأوجه الشبه بينها، موضحا أن كل هذه الجماعات تنهل من معين واحد وهو فكر الخوارج التكفيري
لكن قبل التعرف على الخوارج، يجب أن نشير إلى أن بيان «خريجي الأزهر»، ليس الأول الذي يقول إن الخوارج أصل الإرهاب، ففي نوفمبر 2014، أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية، تقريرا حول أهم الجماعات الإرهابية وأوجه الشبه بينها، موضحا أن كل هذه الجماعات تنهل من معين واحد وهو فكر الخوارج التكفيري الذي يعتبر النواة الأولى لجميع الفرق والجماعات الإرهابية التي اتخذت العنف سبيلا للتغيير.
وسبق بيان مرصد الإفتاء، هجوم مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، في أغسطس 2014، على تنظيمي «داعش والقاعدة»، معتبرا أنهما امتداد لجماعة الخوارج التي استحلت دماء المسلمين، مضيفا: «هذه الجماعات الخارجية لا تحسب على الإسلام، بل هي امتداد للخوارج الذين هم أول فرقة مرقت من الدين».
من هم الخوارج؟
كان الخوارج في البداية من أنصار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والمقاتلين تحت رايته، وفي معركة "صفين" حين طلب معاوية إيقاف القتال واللجوء إلى التحكيم لتصفية النزاع الدموي، كان رأي «علي» الاستمرار في القتال، لكن قسما من جيشه رفض وطالب بقبول التحكيم فاضطر إلى ذلك، فخرج من الجيش جماعة ترفض التحكيم، قائلين: «لا حكم إلا لله، ومن حكَّم غيره فقد كفر»، فكان رد «علي»: «كلمة حق أريد بها باطل».
وبعد ذلك أرسل لهم عبد الله بن عباس لمناقشتهم، فرجع الكثير منهم عن آرائهم، لكن أصر عدد كبير منهم على تكفير «علي» وكفروا الصحابة، لأنهم لم يوافقوهم على مذهبهم، وأيضا يحكمون على من خالفهم في مذهبهم بأنه كافر، ومع مرور الأيام بدأت «الخوارج»، والتي عرفت بأسماء عدة منها «الحرورية، الشراة، المارقة، المحكمة»، تنقسم إلى جماعات صغيرة، تستحل كل واحدة دم الأخرى، ودماء المسلمين، واستمروا في الثورة طيلة فترة حكم الأمويين، وجزء من العصر العباسي حتى قضى عليهم.
مخالفة شروط «علي»
أخذ علي بن أبي طالب على الخوارج، شروطا وهي: «أن لا يسفكوا دما ولا يروعوا آمنا ولا يقطعوا سبيلا»، لكنهم خالفوا ذلك وارتكبوا عددا من المخالفات، إذ إنهم كفروا من خالفهم واستباحوا دماءهم ومالهم، فبدأوا بسفك الدماء المحرمة في الإسلام، وذبحوا عبد الله ابن الصحابي خباب بن الأرت وبقروا بطن جارية له كانت حاملا، وبدأوا بتهديد الناس بالقتل، حتى إن بعضهم استنكر عليهم هذا العمل قائلين: «ويلكم ما على هذا فارقنا عليًّا».
ورغم أفعالهم هذه فإن «عليا» لم يقاتلهم إلا بعد أن أرسل إليهم أن يسلِّموا القتلة لإقامة الحد عليهم، فأجابوه: «وكيف نقيدك وكلنا قتلة؟»، فرد: «أوَكلكم قتلة؟»، فأجابوا:
«نعم»، فسار إليهم بجيش لقتالهم في معركة النهروان عام 38 هجريا، وانتصر عليهم، ولم يتبق منهم إلا عدد قليل فروا هاربين.
ومن أبرز حروبهم ضد الإمام علي: «الدسكرة» في خراسان، «ماسبذان» في فارس، «جرجرايا» على نهر دجلة، وهزموا فيها جميعا، كما دبروا مكيدة لاغتيال «علي» وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان، ونجا الأخيران بينما قتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم.
الخوارج أول من كفّر المسلمين
يقول الإمام تقي الدين بن عبد الحليم: «الخوارج هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، إنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين دماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم، وكانوا متدينين بذلك، لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة».
أما العلامة أبو زهرة، فيوضح: «لقد كان الخوارج أشد الفرق الإسلامية دفاعا عن مذهبهم، وحماسة لآرائهم، وأشد الفرق تدينا في جملتها، وأشد تهورا واندفاعا، وهم في تهورهم واندفاعهم متمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها، وظنوا هذه الظواهر دينا مقدسا، لا يحيد عنه مؤمن، وقد استرعت ألبابهم كلمة لا حكم إلا لله فاتخذوها دينا ينادون به، فكانوا كلما رأوا عليّا قذفوه بها».
نظريات الخوارج
في مقال للدكتور ناصر الدين الميلي، وهو أستاذ جامعي متخصص في الفرق والأديان، بعنوان «جذور التكفير من الخوارج إلى دعاة الإرهاب»، نشره في ديسمبر 2017، قال إن من أبرز نظريات الخوارج: «صحة خلافة أبي بكر وعمر، أما عثمان عندهم فقد انحرف في آخر خلافته عن الحق والعدل، فكان يستحق في نظرهم القتل أو العزل، وأن عليّا قد ارتكب كبيرة بتحكيمه غير الله، والذنب عندهم يعني الكفر، فيكفرون كل مرتكب كبيرة ما لم يتب منها، وعلى هذا كفروا علانية كل الصحابة الذين خالفوهم في الرأي، بل لم يتورعوا عن لعنهم وسبهم علانية، كفروا عامة المسلمين، لأنهم في نظرهم ليسوا أطهارا من الذنوب، وثانيا، لأنهم لا يكفرون الصحابة، بل جعلوهم أئمة لهم».
كما تتضمن نظريات الخوارج: «طاعة الخليفة أو الحاكم واجبة ما بقي على طريق العدل والصلاح، فإن حاد عنه وجب قتله أو قتاله أو عزله، وكانوا يقبلون القرآن مصدرا من مصادر التشريع، أما السنة والإجماع فلهم فيهما سبيل مختلف عن سبيل عامة المسلمين، وهذا بسبب موقفهم من جمهور الصحابة الذين هم نقلة السنة».
انقسام الخوارج
من أبرز فرق الخوارج: "الإباضية" وانقسمت إلى 4 جماعات هم: الحفصية، الحارثية، اليزيدية، أصحاب طاعة لا يراد بها إلا الله، بجانب فرق: المُحَكِّمة، النجدات، الصفرية، العجاردة، الميمونية، البيهسية، الثعالبة، ويقول أحمد محمد جلي في كتابه «دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين: الخوارج والشيعة»: «تفرقت الخوارج إلى عدة فرق بلغ بها بعض كتاب الفرق العشرين، ومما يلاحظ أن الخلاف بين هذه الفرق لم يكن في أمور خطيرة تؤدي إلى الانشقاق وتكوين فرقة مستقلة، بل إن معظم نزاعاتهم كانت تدور في كثير من الأحيان حول أمور فرعية».
ويرجع الشيخ أبو الحسن الأشعري، اختلاف الخوارج وتفرقهم إلى «إن أول من أحدث الخلاف بينهم نافع بن الأزرق الحنفي»، ويؤكد هذا الأمر ناصر بن عبد الكريم العقل في كتابه «دراسات في الأهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها» إذ يقول: «يعد افتراق ابن الأزرق أول انقسام في الخوارج وكان ذلك سنة 64 هجريا حين فاصلوا ابن الزبير، فافترقوا إلى 4 فرق كبرى: الأزارقة، الصفرية، النجدات، الإباضية».
«الأزارقة».. أكثر الخوارج عنفا
يُوصف نافع بن الأزرق بأنه أشرس جماعة الخوارج وأكثرهم عنفا، وأنشأ فرقته
«الأزارقة» في مدينة البصرة بالعراق، واتخذ من العنف مبدأً، وتمكن من الانتشار في مدينة الأهواز -التي اتخذوها مقرا لهم- بعد أن شن هجوما عليها وعلى مدن من بلاد فارس وكرمان، وتمكن «الأزارقة» من توطيد حكمهم من خلال جباية الأموال، كما استغلوا نقص ثقافة الشعوب في المناطق التي وجدوا بها، مستغلين الدين في خداع البسطاء.
كانت «الأزارقة» أقوى فرق الخوارج وأكثرهم عددا، إذ حاربتهم الدولة الأموية لمدة 20 عاما، حتى إن عبد القاهر الجرجاني، وهو أحد العلماء في عهد العباسيين قال عنهم: «لم تكن للخوارج قط فرقة أكثر عددا ولا أشد منهم شوكة، وكانوا أكبر من أي جيش يحاربهم».
والمعروف عن هذه الفرقة أنها أكثر الخوارج ممارسة للغلو، إذ إن «الأزرق» كان يكفر كل من خالفه حتى لو في رأي سياسي، وكانت فرقته ترفض إعمال العقل، وخلقوا بذلك حالة تكفيرية دموية استنادا إلى نصوص يفسرونها حسب أهوائهم ليستبيحوا دماء المسلمين وغير المسلمين.