ومن أرض العرب انطلقت دعوة توحيدية، للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسل إلى العالمين كافة، جاء فيها أنه لا يمكن تصوير الخالق "ليس كمثله شيء".
الأحداث في القرن السابع ميلاديًا لم تكن هادئة على الإطلاق في الشرق الأوسط، فالصراع بين الإمبراطورية الرومانية الشرقية (بيزنطا) والدولة الساسانية في فارس كان على أشده، وكانت الأيام سجال بينهما، ووسط هاتين القوتين رضخت شعوب المنطقة، متقبلة ما لديهما من أفكار، ومتبنية الديانات التي تعتنقها، سواء الزرادشتية أو المسيحية الأرثوذكسية، وكل منها انعكس على آداب وفنون تلك المنطقة، التي عبرت من خلالها عن مسائل إيمانية كثيرة، لكن بعيدا عن هذا وذاك، وفي أرض العرب التي لم كانت في أنظار هؤلاء صحراء قاحلة، بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم تبليغ رسالته.
كنا قد تحدثنا في الموضوع الماضي عن المسيحية واستخدام اتباعها الفن، وكيف تحولت الرسومات والزخرفات إلى أداة للتعبير عن المعتقدات ونشرها. (اقرأ.. الرسم في المسيحية.. مريم بألف ريشة)
لكن في جزيرة العرب كان الأمر مختلفًا، فهناك أكثر من 360 تمثالًا للآلهة، منها ما هو موضوع في حرم الكعبة المشرفة وداخلها، وكان
كنا قد تحدثنا في الموضوع الماضي عن المسيحية واستخدام اتباعها الفن، وكيف تحولت الرسومات والزخرفات إلى أداة للتعبير عن المعتقدات ونشرها. (اقرأ.. الرسم في المسيحية.. مريم بألف ريشة)
لكن في جزيرة العرب كان الأمر مختلفًا، فهناك أكثر من 360 تمثالًا للآلهة، منها ما هو موضوع في حرم الكعبة المشرفة وداخلها، وكان لكل حي في العرب إله، وقد وصلت تلك التماثيل إلى العرب منذ فترة ما قبل انتشار المسيحية، عبر شعوب أخرى قطنت في منطقة الشام وغيرها.
وحينما دعا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الله، نهى عن الإشراك معه، وجعل الدين كله له، ولهذا فهناك العديد من الأحاديث التي تنهى عن التصوير بأشكاله المختلفة (سواء الرسم أو التماثيل)، والرأي الفقهي يستثني الأشياء التي ليس بها روح كالشجر والحجر والأنهار.
وكما سبق، اقتصر استخدام الرسوم في الإسلام على التزيين والزخرفة، ولم يكن لها أي أثر يتعلق بالمعتقد، وفي هذا السياق يمكن التحدث عن تطور المعمار الإسلامي عبر الحقبات المتعاقبة.

العهد الأموي
تحت حكم الأمويين، تطور فن العمارة الدينية والمدنية بفضل إدخال مفاهيم وخطط جديدة ويظهر هذا جليًا في مسجد قبة الصخرة، وهو بناء منفصل عن المسجد الأقصى ويقع ضمن ساحة الحرم من الجهة الجنوبية له، وقد شيد في عهد الخليفة الأموي عبد الملك ابن مروان، وقد استخدمت فيه الفنون البيزنطية، بما يتوافق مع المعتقدات الأسلامية، حيث استخدم فن الفسيفساء في تزيين وزخرفة المسجد، وفي هذه الفترة، كان المسلمون في العامة متأثرون بالفنون البيزنطية، وقد حافظوا على حرصهم بعدم ارتكاب المنهي عنه إسلاميا في مسألة التصوير.
الفن العباسي
وبطبيعة الحال، ومع سقوط الدولة الأموية، وقيام الدولة العباسية، التي انطلقت من العراق، اختلفت السمات الفن الإسلامي عما كانت من القبل، بل وبدأ يتخذ اتجاها جديدا، وهو غلبة الأساليب الفنية الفارسية، والتي طغت حتى في مجالات أخرى غير الرسم مثل الأدب، والواقع أن هذا الطراز، الذي يعتبر أول مرحلة واضحة في تاريخ الفن الإسلامي، أخذ الكثير من أصوله عن الفن الساساني، كما أن الحفائر التي أجريت بمدينة سامراء -التي كانت عاصمة، وكان لها كل الفضل في الكشف عن منجزات هذا الطراز الذي بلغ أوج عظمته في القرن الثالث الهجري.
وقد اكتشفت العديد من المخطوطات التي تعود إلى العصر العباسي وبها الرسومات تروي عن مآثر قديمة، بل وبعضها يتحدث عن السيرة النبوية وغيرها، كما أنه في عهد المماليك تطورت أعمال النحت والزخرفات، وبناء المحاريب وغيرها.

الأثر التركي
ومع لعب الأتراك دورا أكبر سياسيا في وظهور عدة ممالك لهم وقيام الدولة السلجوقية، فقد أدخل الأتراك فنونا جديدة منها الاستخدامات الهندسية البحتة في الزخرفة، إضافة إلى السجاديد التركية المستخدمة في الصلاة، كما أنه ومع قيام الدولة العثمانية، أصبح هناك تأثر أكبر بالفنون الغربية، والتطور الذي شهدته أوروبا في مجال الرسم بالعصر ما بعد عصر النهضة.
إن ما امتاز به المسلمون من الفنون عن غيرهم، هو فن الخط، والذي لجأوا إليه للتعبير عن معتقداتهم بعيدًا عن التصوير والتجسيد، فكتبوا آيات الله بأبهى صور، واستخدموها في زخرفة وتزيين مساجدهم، إلا أن النهي عن التصوير، وخاصة فيما يتعلق بالأمور الإيمانية، لم يمنع طوائف من استخدام الفن بطريقة عقائدية، ولكن هذه قصة أخرى.