النور الداخلي أقوى وأشد
د. مجدي العفيفي
١٦ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٢:١٦ م
أمكث وقتا طويلا وأقضي ساعات جميلة في أروقة مكتبتي الخاصة في حضرة العلم والفكر وأرباب القلم.. أشاهد أصواتهم متداخلة على شاشة التفكر والتأمل، خاصة في عالم الما وراء.. هناك حيث لا قيود ولا حدود.. ولا مع العين أين.. ولا في القلب إلا نور واحد.. هو نور الله.. وإذا جاءك نور من الله أطفأ جميع الأنوار.
قضيت ساعات أمس مع ثلاثة من رموز الفكر والعالم والإنسانية، حدقت في مراياهم المتجاورة والمتحاورة، وما أجمل أن تصفو المرآة! ساعتها تستطيع أن ترى ما لا يُرى وترسل وتستقبل.
الإمام (أبو حامد الغزالي) و(أينشتاين) و(أفلوطين) وموجة واحدة عبر أثير الزمن جمعتهم الثلاثة، في منظومة قلبية متناغمة الرؤية والرؤيا..
قضيت ساعات أمس مع ثلاثة من رموز الفكر والعالم والإنسانية، حدقت في مراياهم المتجاورة والمتحاورة، وما أجمل أن تصفو المرآة! ساعتها تستطيع أن ترى ما لا يُرى وترسل وتستقبل.
الإمام (أبو حامد الغزالي) و(أينشتاين) و(أفلوطين) وموجة واحدة عبر أثير الزمن جمعتهم الثلاثة، في منظومة قلبية متناغمة الرؤية والرؤيا.. يقلبها الفؤاد بعيدا عن ثرثرة الحياة اليومية.. التي أصبح ضررها أكثر من نفعها!
يقول الغزالي في أعظم آثاره الفكرية ومآثره الوجدانية (إحياء علوم الدين) وهو يبرق بومضات من علم (المكاشفة): إن هناك علوما لا تسطر في الكتب ولا يتحدث بها من أنعم الله عليه بشيء منها إلا مع أهله، وهو المشارك فيه على سبيل الذاكرة وبطريق الأسرار، وأعلم أن الساعي إلى الله تعالى لينال قربه هو القلب دون البدن، ولست أعني بالقلب اللحم المحسوس، بل هو سر من أسرار الله تعالى لا يدركه الحس، ولطيفة من لطائفه تارة يعبر عنه بالروح وتارة بالنفس المطمئنة، والشرع يعبر عنه بالقلب، لأنه المطية الأولى لذلك السر، وبواسطته صار جميع البدن مطية وآلة لتلك اللطيفة وكشف الغطاء عن ذلك السر من علم المكاشفة وهو مضنون بل لا رخصة في ذكره.
يأتيني صوت الإمام الغزالي ليتجلى لمحات وومضات فتمتزج معه رؤية لعبقرية القرن العشرين (أينشتاين) ليقول إن المعرفة الإنسانية لا تنشأ عن التجربة وحدها وإنما تحتاج إلى عقد مقارنة بين ما تلاحظه بالتجربة وما تعيه النفس فيه.. وما تعيه النفس أمر لا تستطيع التحكم فيه، إنه وحي، كشف إلهام، إن ديني هو إعجابي -في تواضع- بتلك الروح السامية التي لا حد لها، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة القليلة التي تستطيع إدراكها عقولُنا الضعيفة العاجزة، وهو إيمانه العاطفي العميق بوجود قدرة مهيمنة تتراءى، حيث نظرنا في هذا الكون المعجزة للأفهام.
وتتلاقى مع هاتين البارقتين لطيفة ثالثة فلسفية من الفيلسوف (أفلوطين) يبعثها من هناك من الزمن البعيد جدا.. من الفصول الأولى لقصة الفلسفة عبر التاريخ.. إذ يقول: يجب أن أحجب نفسي عن النور الخارجي لكي أحيا وحدي في النور الداخلي، إني ربما خلوت إلى نفسي وجعلت بدني جانبا وصرخت كأني جوهر مجرد بلا بدن، فأكون داخلا في ذاتي راجعا إليها، خارجا من سائر الأشياء، فأكون العلم والعالم والمعلوم جميعا.