في عام 1969 انطلقت من مصر إحدى أهم مبادراتها الثقافية خلال القرون الحديثة التي أسهمت في جعل الكتاب يحتفظ بمكانته لدى المصريين.. رغم ما شهدته حياتهم من تغييرات
قبل 50 عاما، كانت ليالي الشتاء أكثر قسوة، ممزوجة بمرارة الهزيمة، الرئيس جمال عبد الناصر قال إن مصر لن تستسلم، وستواصل معركتها لتحرير الأراضي المحتلة، وعلى الجبهة، الجيش المصري يخوض حرب استنزاف في أوجها خلال عام 1969، ومحليا، قررت البلاد أن تشن حربا أخرى لا تقل أهمية عن استرداد الحق المسلوب، حربا من أجل المعرفة وضد الجهل، حيث أُقيم معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأولى بأرض المعارض بالجزيرة، خلال الفترة من 22 يناير إلى 30 يناير، تحت إشراف المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، وقد افتتحه وزير الثقافة حينها الدكتور ثروت عكاشة.
الدورات الخمس الأولى، حتى عام 1973، كانت تسلط الضوء على دور الثقافة العربية كسلاح حاد في مواجهة أسلحة العدو الفكرية، فضلًا عن مناقشة قضايا الكتاب ومشكلات الناشرين وتصدير واستيراد الكتب.. المعرض اكتسب شهرة وسمعة إقليمية سريعا، بل كان يعد واحدا من أهم ثلاثة معارض عالمية، مع معرض فرانكفورت الدولي للكتاب،
الدورات الخمس الأولى، حتى عام 1973، كانت تسلط الضوء على دور الثقافة العربية كسلاح حاد في مواجهة أسلحة العدو الفكرية، فضلًا عن مناقشة قضايا الكتاب ومشكلات الناشرين وتصدير واستيراد الكتب.. المعرض اكتسب شهرة وسمعة إقليمية سريعا، بل كان يعد واحدا من أهم ثلاثة معارض عالمية، مع معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، ومعرض وارسو الدولي.
عام 1974 هي أولى الدورات بعد نصر أكتوبر مباشرة، وقد افتتحها وزير الثقافة حينها، يوسف السباعي، وكانت نسمات النصر في أجواء المعرض، حيث شجعت الدولة على استيراد الكتب من الخارج، وتتواصل الدورات، ويزداد المعرض ثراءً بالمشاركات فيه سواء ضيوف الشرف أو الكتب المتداولة به.
حضور إسرائيلي
دورة 1981 شهدت ضجة واسعة بسبب مشاركة إسرائيل فيها، ولعل هذا الحضور غير المرغوب فيه جاء تدعيما لجهود عملية السلام حينها، لكن الأمر لم يرق للكثير من المثقفين والجمهور، الذين قاطعوا المعرض، خاصة أن الكتب الإسرائيلية صدرت من دور نشر مصرية، وقد افتتحت تلك الدورة السيدة جيهان السادات.
المعرض ودع في العام 1983، أرض المعارض بالجزيرة، حيث انتقل إلى أرض المعارض في مدينة نصر في العام التالي، وشهدت الدورات التالية، توسعا في حجم المعرض وموضوعاته، حيث تم تخصيص مليون دولار لدعم طباعة ونشر كتب الأطفال، كما شهد عام 1985 اشتراك إسرائيل بصفتها في سرايا العرض فقط، تجنبا لحالة الغضب التي وقعت في المرة الماضية.

"بدعة" مبارك
وفي الدورة الثامنة عشرة عام 1986، ابتدع الرئيس السابق محمد حسني مبارك تقليدا جديدا بمشاركته في افتتاح المعرض، حيث عقد لقاء فكريا مع أدباء مصر ومفكريها على مدى ساعتين، وقد استفاد المعرض كثيرا من هذا الزخم، حيث تحول في عام 1988، إلى مهرجان وعرس ثقافي كبير، وبدأ في جذب الكثير من العروض بداخله، واحتضن الكثير من اللقاءات، ففي هذه الدورة، شاهد الجمهور العروض السينمائية والمسرحية والموسيقية، وكذلك وجود العرب بكثافة في الأمسيات الشعرية، فضلًا عن إقامة معرض للفنون التشكيلية.
وفي عام 1989، بدأ تخصيص محور رئيسي للندوات، وكان في حينها، مناقشة جميع أعمال الأديب نجيب محفوظ، بمناسبة فوزه بجائزة نوبل في الأدب عام 1988، وطوال تلك الأعوام حرص مبارك على افتتاح المعرض.
وتستمر الدورات، ويأتي عام 1991، حاملا معه ريح أزمة سياسية جديدة تعصف بالعالم العربي، وهي الغزو العراقي للكويت، فكانت "أزمة الخليج" الموضوع الرئيسي لندوات تلك الدورة بعنوان "نحو خريطة جديدة للثقافة العربية"، وقد حضر المعرض في تلك الدورة، ضيوف الشرف وهم الروائي المكسيكي "أوكتافبوباث" والروائي الألماني "جونترجراس".
المعرض احتفل باليوبيل الفضي له عام 1993، وذلك بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما على بدء فاعلياته، وفي هذه الدورة، تم تكريم بعض العاملين بالهيئة، وكذلك تكريم رؤساء الهيئة السابقين في هذه المناسبة. وقد افتتح تلك الدورة الرئيس السابق محمد حسني مبارك.
عام 1997 شهد حراكا أكبر فيما يتعلق بكتب الأجيال الصغيرة، فكان هناك اهتماما أكبر بـ"إبداعات" الشباب، كما تم إصدار موسوعة الطفل العربي، وكذلك الاحتفال بصدور مائة عدد من سلسلة تاريخ المصريين، كما تم إقامة احتفالية أخرى للكاتب أنيس منصور بمناسبة صدور النسخة المليون من إصداراته.

الألفية الجديدة
وفي عام 1999، ودع المعرض الألفية الثانية بجعله المحور الرئيسي لندوات "نهاية تاريخ وبداية تاريخ جديد للبشرية"، حيث شارك لأول مرة في لقاءات المعرض، رئيس مجلس الشعب فتحي سرور في ندوة بعنوان "آفاق الثقافة المصرية"، فيما قام الدكتور أحمد زويل بـعقد لقاء مفتوح مع جماهير المعرض عن "المجتمع العلمي"، كذلك ندوة مفتوحة مع المفكر الفرنسي "جارودي" وكان هذا لأول مرة.
وواصل مبارك عادته في افتتاح المهرجان مع أولى الدورات في الألفية الجديدة، عام 2000، حيث كرم 27 مبدعًا وكاتبًا فازوا بجائزة أحسن كتاب، وأيضا 30 فائزاً في مجالات المعرفة والإبداع في مسابقة أحسن كتاب لعام 1999، وتم فيه إقامة احتفالية خاصة للعالم الكبير أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل، وكان المحور الرئيسي لندوات هذه الدورة، هو: "تحديات القرن القادم التى أكدت أهمية وجود نوع ما من التحاور بين الحضارات بما يعمل على التقريب بينهما جميعًا.
عام 2001 كان على موعد مع ضيف جديد، وهو جمال مبارك، فكان المحور الرئيسي لندوات هذه الدورة هو "تحديث مصر"، وقد شارك في لقاءات فكرية، كما حضرت والدته سوزان مبارك -زوجة الرئيس السابق- بها أيضًا وذلك بافتتاحها معرض كتب الأطفال السابع عشر، الذي يضم مليونًا و77 ألف كتاب.
"عشرون عاما من حكم مبارك".. كان هذا عنوان ندوة عام 2002، حيث افتتحها مبارك، وقد ضمت هذه الدورة العديد من الاحتفاليات، أهمها: احتفالية كبري باليوبيل الذهبي لثورة يوليو، بمناسبة خمسين عامًا على ثورة يوليو، واحتفالية بإصدار موسوعة مصر القديمة، واحتفالية ثالثة للأديب العالمي نجيب محفوظ بعنوان "نجيب محفوظ.. 90 عامًا من الصراع"، ورابعة بمناسبة متحف أم كلثوم تحت رعاية سوزان مبارك. و"حوار أم صراع حضارات"، و"فلسطين تحت الحصار"، و"مصر هبة النيل".
واتبع تقليد جديد في عام 2006، وهو اختيار دولة لتكون ضيف شرف المعرض، وكانت ألمانيا هي ضيف ذلك العام، كما تم استحداث نشاط ثقافي جديد هو "المائدة المستديرة"، كذلك تطوير صناعة الكتاب والنشر، أما في عام 2008، فقد عادت روسيا بعد 9 سنوات انقطاع دائم، وقد شارك في هذه الدورة، 28 دولة، فيما كانت "الإمارات" هي الدولة الضيفة لتلك الدورة.
المعرض بعد الثورة
وافتتح مبارك دورة عام 2010، ولآخر مرة له، وكانت روسيا ضيف الشرف، وشارك كل من "بولندا والدنمارك وكازاخستان" لأول مرة بالمعرض، ثم تم إلغاء دورة المعرض في سابقة، عام 2011، نظرا لأحداث ثورة 25 يناير، وقد ألقت بظلالها في دورة عام 2012، التى افتتحها الدكتور شاكر عبد الحميد "وزير الثقافة" ورافقه حينها الدكتور مهدى مبروك، وزير الثقافة التونسى، وبمصاحبة الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب، وكان شعار المعرض "عام على ثورة يناير". حيث تم جمع وتأريخ وتأصيل كل أحداث يناير في الذاكرة الأدبية والشعبية والفوتوغرافية أيضا، من خلال ندوات وكتب تلك الدورة.
وفي الدورة الرابعة والأربعين، في عام 2013، افتتح المعرض الرئيس المعزول، محمد مرسي، وقد جاء وسط اضطرابات شديدة في الشارع المصري، وقد حمل عنوان "حوار لا صدام"، وكانت دولة ليبيا هي ضيف الشرف، ثم جاءت دورة 2014 بشعار "الثقافة والهوية"، الذي عبر بصدق عن الأزمة التي عاشتها مصر حينها، وشهد المعرض الكثير من الكتب التنويرية التى تنتقد الكثير من الأفكار المتطرفة، وكان ضيف الشرف دولة الكويت الشقيقة.
وتتواصل الدورات، ليأتي عام 2019، الذي يشهد تغييرا جديدا، حيث غادر المعرض مدينة نصر، واستقر في أرض المعارض الجديدة في التجمع الخامس، وستفصح وزارة الثقافة الخميس المقبل عن تفاصيل الدورة الـ50، ورغم المخاوف المحيطة فيما يخص الحضور الجماهيري، أو التحديات الأمنية، فإن المعرض، وفي هذا التوقيت يأتي تأكيدا على استمرار البلاد في مسيرتها لأجل التنوير.