ثروت عكاشة.. ضابط الجيش الذي حمل على كاهله مهمة خاصة بعد ثورة 52، فأسس هيئات مصر الثقافية، وشيد العديد من أعمدة الفكر، ومن بينها معرض القاهرة الدولي للكتاب.
في عام 358 هجريا، الموافق 969 ميلاديا، قرر القائد الفاطمي، جوهر الصقلي، إنشاء مدينة جديدة شمال الفسطاط، والتي سماها بعد ذلك الخليفة المعز لدين الله "القاهرة"، واتخذها عاصمة للبلاد.. مرت ألف عام لتحل سنة 1969 ومعها دعوات للاحتفاء بـ"ألفية" العاصمة، وبالطبع لم يكن هناك حماس للاحتفالات، خاصة أنه لم يمر سوى عامين على هزيمة 1967، لكن أحدهم كان له رأي آخر، فالدكتور ثروت عكاشة، من مكتبه بوزارة الثقافة، اقترح على القيادة مبادرة لاقت إعجابهم، وكتب لها أن تبقى مستمرة إلى يومنا هذا، حتى بعد وفاته.
معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يحتفل هذا العام بـ"اليوبيل الذهبي" له، اختار الدكتورة سهير القلماوى، و"عكاشة"، صاحب فكرة تأسيسه، كشخصيتي العام بالمعرض. (اقرأ أيضًا: 50 عاما على معرض الكتاب.. بدأ بحرب وحضور خاص لمبارك)
لكن دعونا نرجع قليلا بالزمن، وبالتحديد إلى عام 1921، فكان منزل إحدى الأسر متوسطة
معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يحتفل هذا العام بـ"اليوبيل الذهبي" له، اختار الدكتورة سهير القلماوى، و"عكاشة"، صاحب فكرة تأسيسه، كشخصيتي العام بالمعرض. (اقرأ أيضًا: 50 عاما على معرض الكتاب.. بدأ بحرب وحضور خاص لمبارك)
لكن دعونا نرجع قليلا بالزمن، وبالتحديد إلى عام 1921، فكان منزل إحدى الأسر متوسطة الحال بالقاهرة على موعد مع خبر سعيد، باستقبال الابن الأول "ثروت".. نشأ الفتى محبا للقراءة والاطلاع، وبالطبع تأثر بقصص النبلاء والفرسان، ولعل هذا كان دافعه لكي يلتحق بالكلية الحربية عام 1939، ثم درس فى كلية أركان الحرب من 1945 إلى 1948.
لم تنس الحياة العسكرية "ثروت" شغفه الأول، وهو الأدب، فقد حصل على دبلوم الصحافة من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1951، ثم سافر إلى فرنسا، وهناك التحق بجامعة السوربون، ليحصل على دبلوة الأداب منها عام 1960.
على المستوى المهني، بدأ ثروت عكاشة حياته كضابط بالقوات المسلحة، وعقب ثورة يوليو 1952 عمل ملحقا عسكريا في عدد من السفارات، ومنها باريس، التي عمل فيها خلال العام 1956، وكان هذا بالتزامن مع تخطيط فرنسا للهجوم على مصر، في تحالف مع بريطانيا وإسرائيل، فيما عرف بعد ذلك بالعدوان الثلاثي، وقد توصل "عكاشة"، من خلال مصدر فرنسي، إلى معلومات خطيرة حول الأمر، وسارع بتوصيلها إلى القاهرة، ما جعل لديه حظوة لدى القيادة بعد ذلك.
عاد "عكاشة" من أوروبا ليتولى منصب وزير الثقافة والإرشاد القومى عام 1958 وحتى 1962، ثم أصبح عضوا في مجلس الأمة حتى عام 1964، وعاد وزيرا للثقافة مرة أخرى عام 1966، واستمر في المنصب لعام 1970.
الكثير من الأعمال نفذها خلال توليه الوزارة، حيث أنشأ كثيرا من الهيئات الثقافية، مثل المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب (المجلس الأعلى للثقافة)، والهيئة العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية وغيرها، كما أنشأ أكاديمية الفنون عام 1959 بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وأسس فرق دار الأوبرا المختلفة مثل أوركسترا القاهرة السيمفونى وفرق الموسيقى العربية، والسيرك القومى ومسرح العرائس، وأنشأ قاعة سيد درويش بالأكاديمية لعمل الحفلات بها، ووجه اهتمامه للآثار المصرية، حيث وضع الأساس لمجموعة متاحف هى من أعظم المتاحف المصرية للآن، كما بدأ تقديم عروض الصوت والضوء، وكان له دور وطنى بارز من خلال إقناع المؤسسات الدولية بالعمل على إنقاذ معبدى فيلة وأبوسمبل والآثار المصرية فى النوبة. (اقرأ أيضًا: ناشرون عن مكان معرض الكتاب الجديد: نقل الجمهور الأهم)

وما نحتفي به في تقريرنا هذا هو دور "عكاشة" في تأسيس معرض القاهرة الدولي للكتاب، وذلك في العام 1969، وقد افتتح تلك الدورة، التي جاءت في أجواء استثنائية، حيث اهتمت بتسليط الضوء على دور الثقافة العربية كسلاح حاد في مواجهة أسلحة العدو الفكرية، فضلًا عن مناقشة قضايا الكتاب ومشكلات الناشرين وتصدير واستيراد الكتب، وقد اكتسبت الفكرة شهرة واسعة، حتى أن المعرض، وفي أعوامه الأولى، صار من أفضل 3 معارض على مستوى العالم.
الدكتور ثروت عكاشة، له عددا من المؤلفات منها: "معجم المصطلحات الثقافية، الفن الاغريقى، الترجمات للمسرح المصري القديم، مذكراته الشخصية، ترجمة كتاب أوفيد "مسخ الكائنات"، القيم الجمالية في العمارة الإسلامية، تاريخ الفن الرومانى، ترجمة للشاعر جبران خليل جبران، وقد حاز على العديد من التكريمات والأوسمة، ومنها "الجائزة الأولى في مسابقة فاروق الأول العسكرية، وسام الفنون والآداب الفرنسى، عام 1965، وسام اللجيون دونير (وسام جوقه الشرف) الفرنسى بدرجة كوماندور، عام 1968، الميدالية الفضية لليونسكو تتويجا لإنقاذ معبدي أبو سمبل وآثار النوبة، عام 1968، الميدالية الذهبية لليونسكو لجهوده من أجل إنقاذ معابد فيلة وآثار النوبة، عام 1970، جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1987، دكتوراه فخرية في العلوم الإنسانية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عام 1995، جائزة مبارك في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2002".
ثروت عكاشة كان مهتما بالفنون والثقافة، يرى أن رفعة المجتمع لا يمكن أن تتحقق بدون الاهتمام بهما، وقد رحل عن عالمنا في العام 2012، وترك لنا إرثه ومنه معرض الكتاب، الذي يحتفي بذكراه بعد 50 عاما من قص فارس الثقافة شريطه الأحمر الأول.