استطاع الزعيم سعد زغلول اختراق طبقات المجتمع حتى وصل إلى القمة، فبدأ ابن مزارع، ثم أصبح أزهريًا، فعضوا في حلقة محمد عبده، فأفنديا، فمحاميًا، فزعيمًا للمصريين.
انتمى سعد زغلول، لأسرة من أعيان قرية إبيانة بمحافظة كفر الشيخ، التي كانت تعده لأن يصبح من الفقهاء، فاستطاع أن يحفظ القرآن الكريم في كُتاب القرية في سن صغيرة، ونجح سعد في أن يكون من أقرب تلامذة محمد عبده، وفي أكتوبر من عام 1880 أصبح مساعدًا له في تحرير «الوقائع المصرية».
اكتفى سعد زغلول بتلك المسيرة داخل صفوف الأزهريين، متجهًا إلى سلك الأفندية، فشغل منصب ناظر لقلم القضايا بمديرية الجيزة عام 1882، لكنه تعرض للفصل من وظيفته في العام نفسه بسبب اشتراكه في الثورة العربية، قبل أن ينضم لمهنة المحاماة التي لم تكن تشترط مؤهلا دراسيا.
تعرض الزعيم سعد زغلول إلى السجن على خلفية انضمامه لجمعية سرية عام 1883، وظل محرومًا من حريته لمدة 105 أيام، كان ذلك وهو في الرابعة والعشرين من عمره، بعد ذلك عاد مجددًا للمحاماة، ليتمكن في أربع سنوات فقط بأن يصل إلى قمة المناصب في عمله، وتختاره الحكومة عضوًا في لجنة تنقيح قانون العقوبات.
استطاع سعد زغلول
تعرض الزعيم سعد زغلول إلى السجن على خلفية انضمامه لجمعية سرية عام 1883، وظل محرومًا من حريته لمدة 105 أيام، كان ذلك وهو في الرابعة والعشرين من عمره، بعد ذلك عاد مجددًا للمحاماة، ليتمكن في أربع سنوات فقط بأن يصل إلى قمة المناصب في عمله، وتختاره الحكومة عضوًا في لجنة تنقيح قانون العقوبات.
استطاع سعد زغلول أن يصعد في حياته المهنية بسرعة البرق، إذ عيّن نائب قاض عام 1892 براتب 40 جنيهًا شهريًا، وأصبح بعد ذلك من الأعيان، بعد امتلاكه 400 فدان، ليقيم لنفسه قصرا في شارع الإنشا بالقاهرة عام 1896، ويتزوج بعد ذلك صفية مصطفى فهمي، ابنة رئيس الوزراء.

كان سعد زغلول شغوفًا بالمعرفة، فسافر في السابعة والثلاثين من عمره لدراسة القانون في جامعة باريس، ثم حصل على ليسانس الحقوق عام 1897، وفي 28 أكتوبر عام 1906 يصبح ناظرًا -أي وزيرًا للمعارف- وانتقل بعد ذلك إلى وزارة الحقّانية عام 1910، ثم يستقيل منها في 31 مارس 1912.
على الرغم من كل ما حققه سعد زغلول من نجاحات في حياته المهنية فإنه وفقًا للمفكر المصري الراحل الدكتور حسين مؤنس، فإنه عانى من أزمة نفسية يمكن أن يطلق عليها «أزمة الطريق المسدود»، وهو ما جعله يندفع نحو القمار، والتدخين بشراهة، وكانت كلها مظاهر للرغبة في تحطيم النفس.
كانت تلك الفترة من أشد الأوقات التي عاشها سعد زغلول، فيقول في مذكراته في 25 مارس 1912: «أصبحت منقبض النفس ضائق الذرع، ولم أنم ليلي، بل بت طوله تساورني الهموم والأحزان، وأتنفس الصعداء على ما فرط مني من اللعب وضياع الأموال التي جمعتها بكد العمل وعرق الجبين، وكان علي خصوصًا في هذه الأيام التي تزعزع فيها مركزي أن أكف عن ذلك حفظًا للبقية الباقية منه، واتقاء أن أصير إلى ما أنا فيه من الضيق الشديد، لأني صرت مدينًا».

كان سعد يعبر عن الظروف الصعبة التي مرت عليه، ويقول في مذكراته: «إن من أعظم المشوقات للوزارة المرتب، وهو في الحقيقة مبلغ عظيم، ولكني لم أنتفع منه بشىء، ولم أستشعر بأن هذا المبلغ وسع علي من ضيق أو رفعني من ضعة أو زادني بسطة في الملك أو لذة في العيش، فأكلي هو أكلي لم أزد عليه، ولم أتأنق فيه صنعًا، ومركبي لم يتغير، وملكي نقص 200 فدان، وحملت دينًا بعد أن كان جيبي عامرًا بالمال.... والله يعلم أن الوظيفة لم تكسبني جاهًا ولم أستفد منها سوى حسن الأحدوثة والعمل لخير الناس».
كان سعد زغلول يبحث عن وطن يخدمه، وكان يشعر أنه فقد كل شىء، وعندما فقد منصبه بدأ يشعر أنه يتحدث بحرية أكبر، ولأنه كان ابن فلاح، وأزهري، وأفندي، ومحام، وقاض، وكاتب، وفقيه، ومستشار، ووزير، ونائب عن الشعب، فقد استطاع الوصول إلى كل شرائح المجتمع، لذلك استجابت الأمة لندائه، وفي 8 مارس نفي سعد زغلول إلى مالطة، وفي اليوم التالي، اندلعت الثورة.

وتظهر تلك المقتطفات من حياة سعد زغلول المنعطفات التي أثرت في حياته، والقدرات المهولة التي كان يحظى بها، والتي مكنته من التأثير في الأمة، وتحريك المياة الراكدة، وتغيير الواقع المأساوي الذي كان يعيشه المصريون قبل ثورة 1919.