ترك زوجته وطفليه منذ أربعة أيام قبل أن يصاب في محطة مصر بحروق فارق معها الحياة بأكملها دون رؤية من يُحب.. فيما كانت العودة إلى بلدته في جنازة يبكي فيها الكبير والصغير
لم يكن يدري «خالد» ابن الـ 39 ربيعًا، أن ذهابه إلى عمله ضمن فريق مرفق هيئة الإسعاف المصرية، بتمركز «رمسيس» يوم الأحد الماضي، سيكون هو الأخير له في لحظات فراق أسرته الصغيرة على أمل العودة، وأن العودة ستكون حافلةً بحروق لن يقوى جسده على تحملها، ليفارق الحياة بأكملها دون رؤية من يُحب، فيما ستكون العودة إلى بلدته الواقعة على أطراف مركز ومدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية، في جنازة يبكي فيها الكبير قبل الصغير حُزنًا عليه وتأبينًا لرفاقه من ضحايا الحادث المُفجع الذي شهده رصيف القطارات رقم 6 بمحطة سكك حديد مصر.
مع الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس، استيقظ أهالي قرية «بندف» التابعة لدائرة مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، على فاجعة لم يقوَّ على تصديقها أغلب الأهالي وهم يقرأون بيان هيئة الإسعاف المصرية، والذي شهدَّ الإعلان بصورة رسمية عن وفاة المُسعف «خالد عبد المنعم إبراهيم» 39 عامًا،
مع الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس، استيقظ أهالي قرية «بندف» التابعة لدائرة مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، على فاجعة لم يقوَّ على تصديقها أغلب الأهالي وهم يقرأون بيان هيئة الإسعاف المصرية، والذي شهدَّ الإعلان بصورة رسمية عن وفاة المُسعف «خالد عبد المنعم إبراهيم» 39 عامًا، سائق على السيارة رقم 2379 التابعة لتمركز رمسيس، متأثرا بإصابته في انفجار جرار محطة مصر، بنسبة حروق بلغت 85%، نُقل على إثرها إلى العناية المركزة بمستشفى الشفاء بالعباسية، لكنه توفي تاركًا خلفه ذكرى لن يستطيع الأهالي محوها لما له من أثر طيب و«ضحكة» يُحبها ويحبونها.
خالد الميهَّ
«قصدك خالد الميهَّ».. قالها عمرو، أحد جيران الفقيد لمراسل «التحرير»، موضحًا أن المُسعف الراحل كان الكل يعرفه بطيبته: «كان في حاله وطيب وكويس، والناس هنا عارفاه باسم خالد الميهَّ.. الله يرحمه كان رجل محترم جدًا، وكل اللي أعرفه إنه كان نازل إجازة».
زملكاوي بدم خفيف
«الله يرحمه كان بيحب الضحك وكانت أكتر حاجة بتبسطه لما الزمالك يكسب أصله كان زملكاوي».. قالها محمد محيي، ابن عمة «شهيد محطة مصر» لـ«التحرير»، مؤكدًا على أن الفقيد كان يتمتع بالسيرة الحسنة والسمعة الطيبة: «محدش في البلد كلها كان شايل منه في حاجة أو متضايق.. الناس كلها كانت بتحبه».

وعن آخر زيارة التقى خلالها بالراحل، أوضح محيي، أن خالد دائمًا ما كان يحكي عما يراه من حوادث، بحُكم طبيعة عمله، ويتندر دائمًا على حال الدنيا: «فاكر من 11 يوم بالضبط كنا مع بعض وكان بيحكي لي عن حاجات في الشغل بتاعة.. قال لي عن واحدة كبيرة في السن ماتت محروقة ومحدش عرف بيها غير بعد 6 أيام وهو شالها مع فريق الإسعاف وكان متأثر أوي بالحكاية دي».
جاي لقدره
إجازة الفقيد الأسبوعية دائمًا ما تكون يوم الخميس، عملًا بأنه يقضي ثلاثة أيام بالعمل ومثلهم في قريته بين أطفاله، وفق ما يوضحه نجل عمته: «كان المفروض يجي النهاردة زي ما متعود ينزل إجازة، لكن حصلت حاجة مش عارف إيه هي ونزل إمبارح، وبالصدفة وهو في المحطة حصل اللي حصل».
حلم العمر
خالد مثله مثل الكثيرين من أبناء القرى الريفية البسيطة لم يكُن يحلم بأكثر من «الستر»، بحسب أحد أقاربه: «كان كل حلمه يعيش في ملكه ويعيش مستور، وكان دايمًا بيقول عاوز أعمل بيت وشقة وأعيش مستور أنا وولادي، والحمد لله عمل اللي نفسه فيه من سنتين، لكن العمر فات قبل ما يتهنى بحلمه».
وعن سر اسم الشهرة، يضيف محمد: «جده كن شغال في شركة المياه وكان معروف باسم الحاج عبدالمنعم الميهَّ، وخالد بقى اسمه على اسم جده والناس بقت تنادي له بخالد الميهَّ».
الفاجعة التي راح ضحيتها «خالد» تركت أسرته الصغيرة في حزن عارم، بعدما لقيَّ الفقيد ربه تاركًا ولديه «محمد» 5 سنوات، و«حمدي» 3 سنوات» دون وداع، فيما يستعد انتهت كلمات الرجل بذكرى الخلُق الطيب والود الذي كان يحرص عليه كل إجازة بزيارة والدته: «كان يتيم الأب والأم، وكل ما ينزل إجازة كان لازم يزور عمته.. الله يرحمه ويُدخله جناته ويجعله من الشهداء».