منذ تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في يناير 2017، وتأثرت علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها، خاصة في أوروبا، الأمر الذي قد يؤثر بالسلب على حلف الناتو
سلسلة من الأخبار التي تصدرت عناوين صحف العالم على مدى الأسبوعين الماضيين، تؤكد الاختلاف الواضح بين أهداف السياسة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلنطي "الناتو"، حيث يعتبرها حلفاء أمريكا غير واضحة ومضللة. آخر الضربات التي تعرضت لها العلاقات الأمريكية مع حلفائها في الناتو، تأكيد تركيا أنها انتهت من إجراءات الحصول على نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس 400"، على الرغم من تحذيرات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لأنقرة على مدى الأشهر الماضية من أن إكمال هذه الصفقة أمر غير مقبول.
وتقول مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إن أمريكا أشارت إلى أن رفضها يرجع إلى أن أنظمة "إس 400" غير متوافقة مع أنظمة الدفاع الجوي الأخرى التي تمتلكها الدول الأعضاء في حلف الناتو، ما يضعف من فعالية الدفاعات الجوية للحلف.
بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الصفقة تمثل التقارب في العلاقات بين أنقرة وموسكو، وهو الأمر
وتقول مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إن أمريكا أشارت إلى أن رفضها يرجع إلى أن أنظمة "إس 400" غير متوافقة مع أنظمة الدفاع الجوي الأخرى التي تمتلكها الدول الأعضاء في حلف الناتو، ما يضعف من فعالية الدفاعات الجوية للحلف.
بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الصفقة تمثل التقارب في العلاقات بين أنقرة وموسكو، وهو الأمر الذي يثير قلق أمريكا، حيث حذرت الأخيرة من أن إتمام الصفقة سيضع تركيا "أمام عواقب وخيمة"، إلا أن نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاهل تهديدات ترامب.
تركيا لم يكن البلد الوحيد من الدول الأعضاء في "الناتو" الذي لم يبد نيته التعاون مع الولايات المتحدة في جهودها لمواجهة وعزل موسكو.
ففي مؤتمر صحفي عقد في العاشر من مارس الجاري، قال رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي، إنه يعمل من أجل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، بعد قيامها بضم شبه جزيرة القرم في 2014، التي تعد من إحدى أولويات واشنطن.
وترى الحكومة الائتلافية في إيطاليا أن هذه العقوبات أثبتت عدم فعاليتها في إجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الإذعان لمطالب المجتمع الدولي.
في الوقت نفسه أعرب عدد من المسؤولين الإيطاليين من شكواهم بسبب تأثير العقوبات المفروضة على روسيا، سلبيا على الاقتصاد الإيطالي.
كونتي لم يكن الوحيد الذي أعرب عن اعتراضه على العقوبات، إلا أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أدلى بتصريحات مماثلة منذ أشهر، كما وجهت دول أخرى في "الناتو" مثل بلجيكا والتشيك وبلغاريا، انتقادات للاعتماد على إستراتيجية العقوبات.
هل تنجح روسيا والصين في الإيقاع بين حلفاء «الناتو»؟

وتشير المجلة الأمريكية إلى أن دول الناتو أظهرت حماسا أقل تجاه اتخاذ إجراءات عسكرية مثيرة للجدل ضد روسيا.
فعلى سبيل المثال، طلب مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، المستشارة الألمانية، بإرسال قطع حربية إلى مضيق "كيرتش" الذي يفصل بين شبه جزيرة "تامان" الروسية، وشبه جزيرة القرم، وتدعي روسيا أنه ضمن مياهها الإقليمية.
في المقابل ما زالت أوكرانيا متمسكة باعتبار القرم ضمن أراضيها، وأن مضيق "كيرتش" مياه دولية، وهو الموقف الذي تدعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها.
ونوفمبر الماضي، حاولت ثلاث سفن أوكرانية عبور المضيق دون الحصول على إذن مسبق من روسيا، وهو ما دفع القوات الروسية بإطلاق النار عليها، واحتجاز السفن الثلاث بطواقمها.
وكان بنس يريد من ألمانيا القيام بدورية "الحق في الملاحة" في مضيق "كيرتش" لإثبات أنه يقع في المياه الدولية، وهو الأمر الذي تقوم به البحرية الأمريكية بشكل دوري في مناطق النزاع، خاصة في منطقة بحر الصين الجنوبي، ومضيق تايوان، إلا أن ميركل رفضت هذا الأمر، واصفة إياه بالمناورة الخطيرة، التي قد تثير استفزاز الكرملين.
أمريكا تنزع فتيل الخوف من قلب الناتو حول أفغانستان

مثل هذه السياسة من جانب الحلفاء الأوروبيين لم تكن وليدة اللحظة، إلا أنها كانت تنمو لسنوات، فعندما ضغط الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش لضم جورجيا وأوكرانيا إلى حلف الناتو في عام 2008، قاومت كل من ألمانيا وفرنسا هذا الهدف بشدة.
هذا الرفض لم ينبع فقط من اعتبار البلدين تحكمهما إدارات فاسدة غير مستقرة، بل كانوا يخشون من أن تؤدي جولة أخرى من توسع الناتو إلى إثارة غضب روسيا بلا مبرر، وتفاقم العلاقات المتوترة بالفعل مع موسكو.
والآن لم تعد باريس وبرلين أكثر تقبلا لعضوية الناتو بالنسبة لجورجيا أو أوكرانيا منذ ذلك الحين.
وتقول "ناشيونال إنترست" إن الرفض الأوروبي لأهداف السياسة الأمريكية لا يقتصر على قضية العلاقات مع روسيا، فعندما أعلن ترامب في ديسمبر أنه يعتزم سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا، سعى الحلفاء على الفور إلى نسف تلك المبادرة.
كان هدف ترامب أن تحل قوة حفظ سلام دولية تضم قوات من دول أوروبية وشرق أوسطية محل الوجود الأمريكي.
نبوءة ألمانيا تصدق.. ترامب يُدير ظهره فعليًا لأوروبا

إلا أن أعضاء الناتو الأوروبيين أعلنوا صراحة أنهم لن يبقوا في سوريا إذا انسحبت الولايات المتحدة، وهو ما دفع ترامب لتهدئة نهجه، معلنا أن واشنطن ستحتفظ بـ200 جندي في سوريا، وستسهم بمائتي جندي آخرين في قوة حفظ سلام دولية، ومع ذلك، يبدو أن معظم الحلفاء الأوروبيين لا يقبلون قرار ترامب.
وقد يكون هناك خلافات تاريخية بين واشنطن وحلفائها في الناتو خلال العصور السابقة، حيث كان الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديجول شوكة في حلق المسؤولين الأمريكيين خلال الستينيات، كما أغضبت ألمانيا ودول أوروبية أخرى إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في الثمانينيات عندما اتفقت على شراء إمدادات الغاز الطبيعي من خلال خط أنابيب تسيطر عليه موسكو، إلا أن اتساع وشدة المعارضة أكبر هذه المرة.
ويشير هذا التطور إلى أن المسؤولين الأوروبيين وعامة الناس يدركون أخيرًا أنه على الرغم من تداخل المصالح الأمريكية والأوروبية، فإنها ليست متطابقة.
في الواقع، هناك مؤشرات على أن المصالح الأمريكية والأوروبية تتعارض أحيانًا، خاصة فيما يتعلق بقضايا مثل الموقف من روسيا إلى كيفية التعامل مع الأزمة النووية الإيرانية.
ويثير هذا الواقع تساؤلات عميقة بشأن استمرار حلف الناتو، ومستقبل العلاقة بين أمريكا وحلفائها في أوروبا، وهي أسئلة لا يمكن الإجابة عنها عن طريق الدعوات التي لا معنى لها بالتضامن بين دول الحلف.