كما تناولنا في الحلقة الثانية الفواعل المحركة للأحداث على المستوى الإقليمي مثل: باكستان والهند وأوزبكستان وإيران وتركيا وأطراف الأزمة القطرية العربية وهي المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية.
وسوف نتطرق في الحلقة الثالثة والأخيرة إلى الفواعل الدولية مثل روسيا والصين، خاصة أنه تم تناول الولايات المتحدة الأمريكية في الحلقة الأولى بشكل من التفصيل، ثم سيتم تناول السيناريوهات المستقبلية للمصالحة الأفغانية.
1- روسيا: لم تتغيب روسيا عن الساحة، وقامت بتعزيز العلاقات
مع طالبان بعد ظهور داعش؛ من ناحية، لدى روسيا مخاوف حول ظهور داعش في أفغانستان، أو بعبارة أخرى استخدام حركة
«طالبان» ضد تنظيم "داعش"، ومن
ناحية أخرى، تعتبر هذه العلاقات من حربها الباردة مع أمريكا على المستوى العالمي،
وعليه، لا تعتبر جهود روسيا من أجل السلام في أفغانستان. وبما أن علاقات حكومة
الوحدة الوطنية أكثر تحسنا مع الولايات المتحدة من الفترة الثانية للرئيس حامد
كرزاي، فإن علاقتها ليست بحالة مطلوبة مع روسيا، وقد اتهم الرئيس الأفغاني غني ذات
مرة روسيا بتسليح طالبان، وترى الحكومة الأفغانية الجهود الروسية مشبوهة في مجال
السلام الأفغاني وتعتبرها من حربها الباردة مع الولايات المتحدة.
وقد قدمت موسكو العديد من المبادرات التي من شأنها تسوية
الأزمة في أفغانستان، مثل مؤتمر السلام الإقليمي الذي عقد في كابل فبراير 2018، في
حين قامت بتشكيل لجنة من ممثلي دول المنطقة ضمت وزراء خارجية العديد من دول الجوار
بالإضافة إلى وفد من حكومة أفغانستان، ووفد من حركة طالبان -المصنفة إرهابية في
روسيا-، وممثل من الولايات المتحدة كمراقب، وتهدف روسيا من تأييدها لحركة طالبان إلى خروج القوات الأجنبية حتى تتمكن -أي روسيا- من خنق حلف الناتو في
المنطقة.
2- الصين: الصين هي الدولة التي تعتمد سياستها في المنطقة على
عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكن تحاول تنمية نفوذها عن طريق سياستها
وخططها الاقتصادية. يستطيع هذا البلد التعاون مع عملية السلام الأفغانية عن طريق
العمل على تحسين العلاقات بين كابل وإسلام آباد؛ لأن الصين تريد الأمن والاسقرار
الدائمين في أفغانستان من أجل مصالحها الطويلة الأمد.
وقد
غازلت الصين حركة "طالبان" حينما كانت في السلطة، من أجل تأمين حدودها
المشتركة مع أفغانستان من هجمات إسلاميي تركستان الشرقية المتمردين. حيث من
المعروف أن باكستان ساهمت وقتها في ترتيب اجتماع نادر للسفير الصيني المعتمد لديها
مع الملا عمر، الذي لم يلتق قط بمسؤول أجنبي. ولذا تسعى إلى إيجاد تسوية سلمية
للمعضلة الأفغانية، ولذا تساهم بضخ الأموال والاستثمارات فيها، وتدريب الكوادر
العسكرية والمدنية الأفغانية وحماية مشروعها الاقتصادي العالمي.
تم استخدام منهجية الـ Mic Mac لتحديد المتغيرات المؤثرة على مستقبل الحلف وتتمثل
في:
أولا: قائمة المتغيرات (List of variables)
طالبان والحكومة (التفاوض)
تعديل الدستور وإصلاحات في النظام (الدستور)
وجود القوات الأجنبية، أمريكا والناتو (القوات)
مكافحة الإرهاب (داعش)
العلاقة مع القوى الإقليمية (إقليمي)
العلاقة مع الدول الكبرى (دولي)
ثانيا: توصيف
المتغيرات (Variable description)
طالبان والحكومة (التفاوض: التفاوض مع الحكومة الأفغانية)
تعديل الدستور وإصلاحات في النظام (الدستور: تعديل الدستور وإصلاحات أساسية في النظام بشكل عام)
وجود القوات الأجنبية، أمريكا والناتو (القوات: خروج القوات الأجنبية، وتحديد موعد خروج القوات)
مكافحة الإرهاب (داعش: يوسع نطاق فعالياته في أفغانستان)
العلاقة مع القوى الإقليمية (إقليمي: تعزيز النفوذ للدول الإقليمية)
العلاقة مع الدول الكبرى (دولي: تعزيز النفوذ الدولي)
ثالثا: وقد تبين من خلال خريطة التأثير/
التبعية المباشرة (Direct influence/dependence map) أن المتغيرات الأكثر
تأثيرا على مستقبل المصالحة هي وجود القوات الأجنبية في أفغانستان ثم نفوذ القوى
الإقليمية والدولية، وبالتالي سوف يكون لدينا أربعة سيناريوهات كالتالي:
السيناريو الأول:
التفاؤلي.. استقرار أفغانستان ونجاح عملية المصالحة:
يتحقق هذا السيناريو في حالة توفر شرطين
هما: انسحاب القوات الأجنبية وتراجع النفوذ الإقليمي والدولي في أفغانستان،
وبالتالي سوف يتحقق مطلب طالبان بانسحاب القوات كما سيقل عليها الضغوط من قبل القوى
الإقليمية والدولية، وبالتالي سيكون هناك تسوية سياسية ومصالحة بين الحكومة
وطالبان ولكن يظهر أمام هذا السيناريو عدد من التحديات هي كالتالي:
1- صعوبة انسحاب القوات الأجنبية نهائيا من
أفغانستان لأن ذلك ضد المصالح الأمريكية.
2- وجود مصالح للقوى الإقليمية والدولية
الأخرى (روسيا والصين والهند) في أفغانستان يصعب معها انسحاب هذه القوى من وجودها
الاقتصادي والاستراتيجي لارتباطها بمشروعاتها التنموية.
يتحقق هذا السيناريو في حالة توفر شرطين
هما: بقاء القوات الأجنبية وتراجع النفوذ الإقليمي والدولي، ومن ثم سوف يؤدي إلى
استمرار الحرب الأهلية بين قوات الحكومة وحركة طالبان، وبالتالي تفشل المصالحة، كما
ستستمر أمريكا في دعم الحكومة على حساب الحركة كما ستستمر خسائر القوات الأمريكية
في أفغانستان، ويواجه هذا السيناريو تحديات للحدوث أهمها:
1- عدم رغبة أمريكا في الاستمرار في حرب مع
الحركة ولكن بقاء عناصر استخباراتية تضمن لأمريكا البقاء قريبا من الصين وروسيا.
2- يصعب تراجع نفوذ القوى الإقليمية والدولية
الأخرى (روسيا والصين والهند) في أفغانستان لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
يتحقق هذا السيناريو في حالة توفر شرطين هما: انسحاب القوات الأجنبية وبقاء النفوذ الإقليمي والدولي، وبالتالي سوف يدفع خروج القوات الأمريكية إلى سعي القوى الأخرى إلى زيادة نفوذها مما سيؤدي لاستمرار الحرب بالوكالة في أفغانستان ولا يستبعد معها ظهور قوى جديدة كأطراف في الحرب للعمل على استمرارها والحيلولة دون حدوث المصالحة الأفغانية، ويوجد تحدٍّ أمام هذا السيناريو وهو صعوبة انسحاب أمريكا من دولة ذات أهمية استراتيجية لمكانة أمريكا في العالم.
يتحقق هذا السيناريو في حالة توفر شرطين هما: وجود متغيرين وهما بقاء القوات الأجنبية وبقاء النفوذ الإقليمي والدولي في أفغانستان، سوف تستمر طالبان في التفاوض مع واشنطن، لأن استمرار الإدارة الأمريكية في هذه المفاوضات يشكل مخرجا مقبولا للولايات المتحدة من مأزقها الذي تعيشه منذ تدخلها العسكري في أفغانستان والذي نجحت من خلاله في إسقاط حكم طالبان لكنها لم تتمكن من القضاء عليها، بل إنها صارت بعد كل هذه السنوات أكثر قوة وتمددًا، فباتت تسيطر على نحو نصف مساحة البلاد.
أرجح السيناريو الأخير وهو استمرار الوضع
على ما هو عليه، ويمكن القول بأن محفزات السيناريو تتمثل في التالي:
1- اختارت حركة طالبان في المفاوضات الجارية
سياسة الانتظار، وربما تكون الحركة حاليا في حالة لا ترى في الانتظار ضررا على
نفسها، بل ترى الضرر في الاستعجال.
2- تعرف الحركة أن الأمريكيين عازمون على
الخروج؛ وأنهم سيخرجون العام القادم إن لم يخرجوا هذا العام. كما يجب على ترامب أن
يتخذ قراره بشأن أفغانستان قبل إجراء الانتخابات في أمريكا، وطالبان مطمئنون إلى
القرار الأمريكي بالخروج من أفغانستان، لذلك يعتبرون التأخير في المفاوضات
لصالحهم.
3- إن الطرفين يستمران في النقاش للحفاظ على
أكبر قدر ممكن من مصالحهم. ومع كل ذلك؛ فإن النقاشات معقدة، وتحتاج إلى مزيد من
الوقت، ولا ينبغي القول بأن يتوصل الطرفان إلى الاتفاق بشأن جميع الموضوعات وفي
فترة قصيرة.
4- إن
انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان هو القضية الأكثر أهمية في محادثات السلام
بين الولايات المتحدة وطالبان وهو أيضا خط أحمر لطالبان، لكن تعليقات ترامب
الأخيرة تشير إلى أنهم يبحثون عن سبيل للبقاء في أفغانستان، ويبدو أن الولايات
المتحدة تريد سحب معظم قواتها من أفغانستان، لكنها تريد ترك بعضها في البلاد
لأغراض استخباراتية كما قال الرئيس ترامب في مقابلته مع شبكة سي بي إس، وعليه
تحاول الولايات المتحدة قبول ذلك من قبل طالبان، حتى يمكن لها إيجاد موطئ قدم في
أفغانستان.
5-
رفضت حركة طالبان إجراء أي محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية.
6- الرئيس
الأفغاني صرح في مقابلة مع شبكة "طلوع نيوز" بأنه لا يوجد لدى أي جهة سلطة تنفيذية
لتنفيذ اتفاقية السلام سوى الحكومة، وبالتالي تمثل مشكلة، يحتاج حلُّها إلى وقت طويل.
1- وجود مشكلات على المستوى المحلي، فهناك
أشخاص ووجهات تخالف عملية السلام علنًا أحيانا وسرًّا في كثير من الأحيان، والتي
تعتبر من أهم الحواجز أمام السلام الأفغاني وكانت سببًا في مواصلة الحرب في
البلاد.
هؤلاء الناس والجهات يرون مصالحهم في مواصلة
الحرب، ويعتبرون السلام خسارة لهم، ولأجل هذا ينفخون دائما في رماد الحرب
لمواصلتها؛ ولكن للوصول إلى السلام ينبغي أن يحث هؤلاء على السلام أو يمنع من
إيجاد الموانع والحواجز. وعليه، فإن أولى الخطوات إلى السلام هي سد طريق معارضي السلام
داخل البلاد.
2- استمرار مخاوف البلدان المجاورة حول
القضية الأفغانية وعدم التعاون الحقيقي في قضية السلام الأفغانية من أهم الحواجز
على المستوى الإقليمي. وعلى العموم، فالبلدان المجاورة لأفغانستان، ولا سيما
باكستان، وإيران، والصين هي الدول التي يمكنها أن تساعد الحكومة الأفغانية للوصول
إلى السلام. لذلك يبدو من الضروري، أن تتم محاولات عدة لجلب مساعدة هذه البلدان
المجاورة والاستجابة لمخاوفها، لأن دورها لا يمكن الإغماض عنه.
3- إن الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو تركت
آثارها على الحرب في أفغانستان. ولذلك يبدو أن أفغانستان غيرت إلى ميدان
المعركة بين القوى العظمى، وما لم تتغير الحروب النيابية للقوى الإقليمية والدولية
في أفغانستان إلى مجال المساعدة والتعاون، فليس لعملية السلام أي نتيجة تذكر.
من الصعب التوصل إلى اتفاق بشأن قضية في
غاية التعقيد وفي فترة بسيطة، ومن ثم من
المتوقع أن تستمر معاناة الشعب الأفغاني لاستمرار القتال والحرب في أفغانستان،
والسبب في ذلك هو تباعد وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة. وبينما تزعم الولايات
المتحدة الأمريكية أن المحادثات لحل القضية الأفغانية، هي شأن داخلي للأطراف
الأفغانية، إلا أنها في الحقيقة تسعى وراء النصر النهائي كما يبدو من تصريحات
قادتها، وهذا النصر النهائي برأيها يكون عن طريق ضم حركة طالبان للمشروع الذي
بدأته عام 2001 بأية وسيلة، سواء كان ذلك عن طريق استمرار الحرب أو المحادثات بين
الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وتعتبر حركة طالبان الانسحاب الأمريكي هو محور
محادثات الصلح، وذاك أمر لا يبت فيه إلا واشنطن نفسها.
لن
تتحقق المصالحة ما لم تكن هناك نية حقيقية لدى جميع أطراف الصراع لتحقيقها، ويكون
الطريق إلى ذلك بجعل انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان مطروحًا على طاولة
المحادثات، وأن يتم التفاوض حوله مع الإدارة الأمريكية نفسها، وأن يكون محور
المحادثات معها هو هذه النقطة، أما باقي القضايا العالقة والتي هي محل نقاش وأخذ
ورد بين الأطراف الأفغانية فتكون للحوار الداخلي بين الأفغان أنفسهم، لكن يتم ذلك
عبر القنوات غير الرسمية أو القنوات غير المعلنة.