تواجه الحركة العمالية المصرية الكثير من التحديات أبرزها دخول العديد من شباب العمال للتجربة بدون خبرات سابقة ومشاكل انقطاع تواصل الأجيال ونقل الخبرات النقابية
نشطت الحركة العمالية في مصر مع تأسيس أول نقابة عمالية عام 1899، وقد ظهرت الحركات العمالية بشكل عام كنتيجة طبيعية لنشأة النقابات العمالية ونموها وتطلعها لإيجاد حلول اقتصادية وسياسية لمشاكل الطبقة العاملة.
ويتحدث رؤوف عباس في كتابه "الحركة العمالية في مصر" عن تكوين الطبقة العاملة في مصر من ثلاثة عناصر مع نهاية القرن التاسع عشر، وهم الفلاحون الذين هجروا الريف والتحقوا بالمصانع، وأصحاب الحرف الذين طوروا خبراتهم مع تقدم أساليب الصناعة، والعمال الفنيون الذين قدموا من بلاد اضطرم فيها الصراع بين رأس المال والعمل.
يشير عباس إلى أن العمال في مصانع محمد على كانوا يساقون من الريف وأحياء القاهرة للعمل بالمصانع مجبرين، ويعملون تحت رئاسة مديرين عسكريين عرفوا بغلظتهم وقسوتهم، وبذلك لم يكن العمال مرتبطين بالمصانع بل عدوا العمل فيها ضربا من ضروب التجنيد العسكري، ويستوي في ذلك الفلاحون وأصحاب الحرف الذين أجبروا على ترك
يشير عباس إلى أن العمال في مصانع محمد على كانوا يساقون من الريف وأحياء القاهرة للعمل بالمصانع مجبرين، ويعملون تحت رئاسة مديرين عسكريين عرفوا بغلظتهم وقسوتهم، وبذلك لم يكن العمال مرتبطين بالمصانع بل عدوا العمل فيها ضربا من ضروب التجنيد العسكري، ويستوي في ذلك الفلاحون وأصحاب الحرف الذين أجبروا على ترك دكاكينهم، فلم تكن حرية العمل مكفولة، حيث تلعب الأجور دورا هاما في توجيه العمال إلى نواحي الإنتاج التي يكثر فيها الطلب على خدماتهم. ولم تكن الأجور التي يتقاضونها ذات بال كما كان مديرو المصانع يخفضون الأجور لضغط النفقات، كما كانوا يؤخرون للعمال أجر عدة أشهور حتى يثنيهم عن التفكير في ترك العمل.
اقرأ أيضا جبالي المراغي يفوز برئاسة اتحاد عمال مصر
ويلمح عباس إلى أن الطبقة العاملة في مصر نشأت في ظل المصانع والشركات الحديثة والمرافق العامة التي أقامتها رؤوس الأموال الأجنبية، بالإضافة إلى عمال السكك الحديدية، وهو المرفق الذي كان منذ نشأته قحا، وتميزت أحوال العمل في تلك المؤسسات بأجورها المنخفضة وساعات العمل الطويلة، فالأجر اليومي للعامل غير الفني لم يكن يتعدى ثلاثة قروش، بينما أجر الحدث في محالج القطن قرش واحد أو قرش ونصف قرش، وأجر العامل الفني ثمانية قروش. وكان متوسط ساعات العمل اليومية ثلاث عشرة ساعة في معظم المرافق خاصة النقل، وهناك ما يؤكد أن ساعات العمل في محالج القطن كانت تصل إلى سبع عشرة ساعة يوميا. وظل مطلب تحديد ساعات العمل بعشر ساعات مطلبا عاما للعمال طوال تلك الفترة. وتميزت الأجور بالتفاوت بين العمال الوطنيين والعمال الأجانب، كما استأثر الأخيرون بالأعمال والوظائف الإشرافية ولم تمنح الفرصة للعمال المصريين لتولي هذه الأعمال حتى لو كانوا متساوين معهم في الخبرة والإنتاج، ولذلك لم يكن غريبا أن يقع عدد من الاضطرابات في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الذي كان بشيرا بمولد الحركة العمالية المصرية.
إضراب لفافي السجائر
يعد إضراب لفافي السجائر 1899 ميلادا للحركة العمالية في مصر وإن لم يكن أول إضراب لكنه الأطول في تاريخ الطبقة العاملة المصرية، واستمر إضرابهم من ديسمبر 1899 إلى فبراير 1900، وسجل محمد فريد ما أطلق عليها أحداث أبريل عام 1894، أنه قد وردت تلغرافات من بورسعيد تفيد اعتصام عمال نقل القمح طلبا لزيادة الأجرة، وأن الحكومة تدخلت وألقت القبض على كثير من العمال.

وفي عام 1902 أضرب العمال المصريون والأجانب بشركة الغزل الأهلية بالإسكندرية، مطالبين بزيادة الأجور، وفي مارس 1902 أضرب عمال مطبعة الكوريري إجبسيانو بالقاهرة لزيادة أجورهم، وفي 1903 أضرب لفافو السجائر بالقاهرة للمرة الثانية مطالبين بزيادة الأجور، وكانت نتيجة هذا الإضراب تأسيس النقابة المختلطة لعمال الدخان التي أسسها ماتوسيان، وحققت تلك النقابة بعض النجاح بفضل تآزر أعضائها.
كانت تلك الإضرابات، حسب رؤوف عباس، حدثا فريدا في حياة الطبقة العاملة المصرية أتاحت لها فرصة الوقوف على أساليب العمل الجماعي في مواجهة رأس المال المستحكم، من أجل تحسين ظروف العمل وشروطه.
نشأة النقابات
تكونت نقابة لفافي السجائر بالقاهرة عام 1899 واستمرت قائمة حتى 1901، وكان يطلق على النقابات في ذلك الوقت الجمعيات، وكان رئيسها يونانيا يدعى دكتور كريازي، وجمعية اتحاد الخياطين بالقاهرة عام 1901 وكان رئيسها دكتور بستس يونانيا، كذلك وتأسست في نفس العام جمعية الحلاقين وجمعية عمال المطابع، أما جمعيات الأدوات المنزلية وعمال السجائر بالإسكندرية وكتبة المحامين بالقاهرة فقد تأسست في عام 1902.

وشهد عام 1936 توقف نشاط الاتحاد العام لنقابات عمال القطر المصري، كما شهد أيضا موجة عارمة من الإضرابات العمالية اجتاحت البلاد، وكان أبرزها إضرابات عمال النسيج والسكر والنقل، وقامت تلك الإضرابات بدافع من سوء الأحوال الاقتصادية التي كان يعيش العمال في ظلها.
واجهت الحركة العمالية أعنف الضربات حين نشبت الحرب العالمية الثانية في عام 1939، فطارد البوليس النقابيين واعتقل البارزين من زعمائهم، وتم حظر النشاط العمالي، وكما كانت الحرب وبالا على حركة العمال من حيث تقييد الحرية النقابية فإنها أدت إلى زيادة حجم الطبقة العاملة، ونال العمال في أثنائها الاعتراف القانوني بنقاباتهم.
تحديات تواجه العمال في مصر
وتواجه الحركة العمالية الكثير من التحديات، كما يرى الباحث الاقتصادي إلهامي المرغني، أهمها دخول العديد من شباب العمال للتجربة بدون خبرات سابقة، ومشاكل انقطاع تواصل الأجيال ونقل الخبرات النقابية من الأجيال القديمة للشباب، وكذلك ضعف العضوية أو التسرع في الإعلان عن إنشاء النقابة قبل وجود عدد كاف وممثل لغالبية عمال الشركة أو المهنة، وقبل تبلور وعي عمالي بأهمية النقابة واتفاق على خطوات العمل التي يؤدي الخلاف عليها إلى عرقلة النقابات وتعثرها، وتوقف بعضها وقلة الخدمات التي يمكن تقديمها للأعضاء نتيجة ضعف العضوية وضعف تحصيل الاشتراكات.

وهناك تحديات خارجية يذكرها المرغني، منها تأخر صدور قانون الحريات النقابية حتى الآن، وتعريض المراكز القانونية للنقابات الجديدة للخطر وتعسف جهات الإدارة وأصحاب الأعمال، وكذلك الدور الذي تلعبه الأجهزة الأمنية في بناء نقابات واتحادات عمالية لاستخدامها لضرب النقابات المستقلة.
وينص الدستور المصري في المادة 13 على أن "تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفى العملية الإنتاجية، وتكفل سبل التفاوض الجماعى، وتعمل على حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، ويحظر فصلهم تعسفيًا، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون".
اقرأ أيضا عيد العمال.. من الكفاح إلى احتفال وإجازة و«المنحة يا ريس»
ويؤكد المرغني أن التوزيع الداخلي للأجراء حسب قطاعات التشغيل: 40% يعملون في الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام، و60% يعملون بالقطاع الخاص، وأن القطاع الخاص الذي يشغل 9.3 مليون أجير منهم 6.1 مليون يعملون خارج المنشآت بدون أي حماية قانونية أو اجتماعية و84% منهم يعملون في أعمال مؤقتة. وشكل موظفو الحكومة 5.3 مليون جزء رئيسي من حركة العمال في مصر على مدى السنوات الماضية، لأنهم خاضعون لنفس شروط العمل ويعملون في مكان واحد، على عكس العمالة في القطاع الخاص خارج المنشآت. ورغم ذلك يوجد 45.5% من موظفي الحكومة لا توجد لديهم نقابات عمالية.

أما الطبقة العاملة الصناعية فعددهم لا يتجاوز 1.6 مليون عامل، بينما يوجد 1.3 مليون عامل زراعي بخلاف صغار الحائزين الذين يضطرون للعمل المأجور في جزء من العام لتغطية احتياجات أسرهم، التي لا تغطيها إيرادات ملكياتهم القزمية.
ويوجد في مصر حاليا 15.6 مليون يعملون بأجر نقدي ويشكلون 64.4% من المشتغلين في مصر. مقابل 2.8 مليون صاحب عمل و 3.1 مليون يعملون لحساب أنفسهم ولا يستخدمون عمالا و2.8 مليون يعملون لدى الأسرة بدون أجر.