الابنة تركت المنزل هربا من الضرب والاعتداء، والمتهم اعتقد أن زوجته تعرف طريقها وشجعتها على الهروب وطعنها بسكين في القلب وتوجه لقسم الشرطة لتسليم نفسه
بيت حيطانه تكاد تنطق من هول الظلم، وسقف شاهد على امرأة تعيش تحته في الجحيم، كتب عليها الشقاء وكأنها ولدت به، نظرت في المرآة بوجه عابس فوجدت شخصا غير «مروة» التي تعرفها، ملامح باهتة وعيون لا تعرف سوى البكاء وجسد نحيل، سقطت دموعها ليكتمل مشهد الحزن، كانت الشوارع تميل للظلام وأذان العشاء يتردد في الآفاق، فتحت باب غرفتها الضيقة، تحركت بخطوات ثقيلة للخارج، جلست حول أولادها تلقي عليهم نظرة الوداع، وتذكرهم بالوصية، ثمة شيء كان يحدثها بأنها الليلة الأخيرة، ساعات قليلة مرت، إذ حضر شيطان الإنس لينهي المشهد الدرامي ويكتب كلمة النهاية بطعنة في القلب.
الضائعة
قبل عشرين عاما حزمت "مروة" حقيبة السفر وغادرت قريتها في محافظة الشرقية بصحبة زوجها "عوض" ليستقر بها الحال في شقة متواضعة في منطقة الخصوص بالقاهرة، لم تكن تعرف أن قدميها تسوقانها للجحيم، سرعان ما كشف لها زوجها عن وجهه القبيح، رجل من أشباه الرجال لا يعرف سوى سكة المخدرات وشرائها ولا يفكر إلا
الضائعة
قبل عشرين عاما حزمت "مروة" حقيبة السفر وغادرت قريتها في محافظة الشرقية بصحبة زوجها "عوض" ليستقر بها الحال في شقة متواضعة في منطقة الخصوص بالقاهرة، لم تكن تعرف أن قدميها تسوقانها للجحيم، سرعان ما كشف لها زوجها عن وجهه القبيح، رجل من أشباه الرجال لا يعرف سوى سكة المخدرات وشرائها ولا يفكر إلا في ثمن الكيف، طالبها بميراثها الضئيل من أسرتها معدومة الحال، ساعدته بكل ما تستطيع إليه سبيلا، كانت أشبه بالضائعة لا تملك حق العودة أو البقاء، ارتضت بنصيبها أملا في أن ينصلح حاله، عام واحد ورزقها الله بطفلتها الأولى ما زاد من فرصة بقائها وتحملها ما لا يطيقه بشر.

الذل
مرت السنوات والحال يزداد سوءا، إذ رفض زوجها الخروج للعمل، ما دعاها لتخرج كل صباح تطرق بيوت جيرانها تساعدهم في أعمال المنزل مقابل بضعة جنيهات لتجده في انتظارها، يأخذ حصيلة يومها مع وصلات من الضرب والتعذيب عقابا لها على عدم طاعته، إذ بات المدمن لا يعرف سوى العنف ولغة الدم تتحكم به المخدرات، سنوات من الذل ذاقت فيها كل أصناف العذاب، وكانت تتحمل من أجل أولادها التي بلغ عددهم سبعة، عكفت صاحبة الأربعين عاما على تربيتهم وتعليمهم للخروج بهم من مقبرة وجحيم زوجها المدمن التي أذهبت عقله المخدرات.
الوصايا السبع
يجلس "عوض" في شقته التى حولها وكرا لبيع المخدرات وتعاطيها، بينما تجمع "مروة" أولادها السبعة تلقي على مسامع كل واحد منهم وصيتها "اوعى حد فيكم يقلده أنا عايزة أشوفكم أحسن منه" بالرغم من أنها لا تجيد القراءة والكتابة إلا أنها تؤمن بأن تعليم أولادها هو طوق النجاة للخروج من براثن زوجها الشيطان، في المقابل كان الضرب والتعذيب عقابا لها على أتفه الأسباب، كانت تتوالى عليها المفاجآت غير السارة ودخل زوجها السجن في قضية قتل لتلاحقها هموم الدنيا تباعا، ما بين بيع أشياء بسيطة في المترو والعمل أحيانا خادمة في البيوت كانت تجمع رزقها وتدخره لأبنائها لم تبخل عليهم بكل ما ملكت يداها تعويضا لهم عن سنين الحرمان.
عودة الندل
خرج من سجنه للنور، لم تردعه سنوات الظلام التي عاشاها خلف أسوار الزنزانة، بات مثل الشبح كل ما يهمه في الحياة "ثمن الكيف" سلبها أموالها وسرق منها سنين شبابها، ما بين بيع المخدرات وتعاطيها كان سيناريو يومه المعتاد، طال بطشه بأبنائه، فالضرب والتعذيب والرعب هو حصيلة يوم الأبناء حتى ملت ابنته طالبة الثانوي من الحياة وهربت من منزلها قاصدة بيت جدها بمحافظة الشرقية، جن جنونه وتحول لوحش كاسر، تهديد ووعيد لزوجته بالقتل اعتقادا منه أنها تعرف طريقها وشجعتها على الهرب، لم تمر سوى أيام حتى نفذ تهديده إذ استل سكينا وكتم أنفاسها وطعنها في القلب حتى فاضت روحها إلى بارئها، وتركها خلفه غارفة في دمائها وتوجه لقسم الشرطة لتسليم نفسه.

خلف الكواليس
الجريمة البشعة التي صارت حديث شارع علي عبدالمجيد بمنطقة الخصوص حيث دارت الأحداث الدرامية في شقة "مروة" يروي تفاصيلها لـ"التحرير" إسلام عوض، ابن المجني عليها الذي بدأ حديثه بنبرة حزينة، قائلا: "قبل الواقعة بنحو 10 أيام كان بيعتدي على أختي ويضربها وهربت منه ومن معاملته راحت الشرقية عند بيت جدي وكان كل يوم يهدد أمي أنه هيقتلها ويقولها مش هسيبك تربي العيال ويوم الواقعة كان بيتخانق معاها ونحو الساعة واحدة ونص بالليل سمعت صوت صرخة مكتومة ولقيته طالع من أوضة النوم بقوله في إيه سابني وخرج وقفل الباب وراه".
الصدمة
صمت الشاب للحظات ليتذكر الليلة الدامية "لقيت باب الأوضة مقفول ناديت على أمي مردتش عليا فتحت الباب لقيتها السكين في قلبها والسرير غرقان دم خرجت أجري على السلم قابلني واحد من الجيران قالي أبوك بيقولي إنه قتل والدتك ورايح القسم يسلم نفسه، اتصلنا بالإسعاف بس لما وصلت كانت أمي ماتت".

صدمة المشهد الأخير في مقتل والدته لن يغيب عن ذاكرته طوال حياته، عاد بعد صمت ليستكمل حديثه "كان فاكر أمي عارفة إن أختي هتمشي وتسيب البيت وعارفة طريقها والمخدرات ضيعت عقله، كان بيجيب أصحابه في البيت ويبيع لهم المخدرات ويشربوا قدامنا وأمي كانت بتقول لنا أنا عايزاكم تبقوا أحسن منه وخلي بالك من إخواتك الصغيرين وعلمهم، كانت حاسة إنها هتموت وكان دايما بيهددها ويضربها".
الرعب
التقط أنفاسه ليستطرد حديثه "كان إنسان مش طبيعي طول الوقت، عايشين في رعب بيضرب إخواتي وهواية عنده يشتري سكاكين ويهددنا بيها وأمي كانت بتستحمل السنين اللي فاتت علشانا كانت بتقولي لو مشينا مش هيسيبنا في حالنا خدت ميراثها من جدي واشترت له عربية باعها وشرب بفلوسها مخدرات وكان بياخد فلوسنا اللي بنشتغل بيها أنا وأمي ولو قالتله مش معايا كان بيعذبها وإحنا بندور في الورق بتاعه لقينا إيصالات أمانة على بياض عليها توقيع والدتي كان بيهددها بيها.. أنا وإخواتي روحنا نعيش في بيت جدي في الشرقية يا ريت أمي كانت مشيت معانا من الأول عاشت معاه 20 سنة في عذاب وماتت بطعنة سكينة اشتراها بفلوسها".