د. مجدي العفيفي
ماذا يفيد الشعر في عصر التكنولوجيا، بل ماذا يعني وجود الكلمة الشعرية في عصر الصورة بثقافتها الرائعة والمروعة، وقد أصبحت العواطف الإنسانية مهدرة تحت سنابك من لا عاطفة تنبض لديه، ولا يتململ قلبه ولا يخفق؟
وماذا يقول الشعراء والكمبيوتر قد صار قادرًا على تأليف الشعر، وممارسة الحب والزواج، شأنه في ذلك شأن أشياء كثيرة ومرعبة يؤلفها؟
بل.. هل يستطيع الشعر والشعراء الاحتفاظ بمقولة (الشعر ديوان العرب) في عصر كثرت فيه الأساليب وتكاثرت الوسائل، وأصبح جزءًا من «الميموري» أو ذاكرة الكمبيوتر، تستطيع أن تستوعب مليون بيت من الشعر في «سي دي» واحد، بل أكثر من ذلك أن كل أمهات الكتب وآباءها وكل المراجع والمصادر تأتي على
بل.. هل يستطيع الشعر والشعراء الاحتفاظ بمقولة (الشعر ديوان العرب) في عصر كثرت فيه الأساليب وتكاثرت الوسائل، وأصبح جزءًا من «الميموري» أو ذاكرة الكمبيوتر، تستطيع أن تستوعب مليون بيت من الشعر في «سي دي» واحد، بل أكثر من ذلك أن كل أمهات الكتب وآباءها وكل المراجع والمصادر تأتي على ديسك كمبيوتر، ثمنه نصف جنيه، ناهيك عن أنه ليس لنا الآن ديوان!! فالديوان كان أيام كنا وكان.. أيام الفروسية والبطولات الحقيقية لا الوهمية..
هذه أسئلة فيها قدر كبير من الاستفزاز، لاسيما أنها تصدر عن (نفس أمارة بالشعر)، وأنها أيضًا تطرح في أجواء يحلق فيها الشعراء على أجنحة القصيدة، مثلما ينفذ العلماء من أقطار السموات والأرض (لأن إمكانية النفاذ واردة في سورة الرحمن بالتنزيل الحكيم).
غير أني تعمدت الطرح في هذا المناخ من قبيل التأكيد على أن الإجابة ماثلة للعيان، والسؤال نصف الجواب -لكن أكثر الناس في عصر ثقافة الهامبورجر والساندويتش لا يعلمون في هذا الزمن ولا يريدون، وأنـَّى لهم ذلك.
وانظر في المهرجانات التي نحتفل فيها بالشعر، ونحتفي بالشعراء، وهم شريحة نقية من حملة مصابيح الحب والتنوير، ومشاعل الصدق والتحديق، في زمن عز فيه مقابلة الذات والتصالح مع النفس أيا كان نوعها، أمارة بالسوء، أو راضية، أو مرضية، أو لوامة، أو ملهمة فجورها وتقواها، أو .. أو ..
لا .. الشعر هو الإنسان.. هو الروح المهيمن.. هو القلب المتوهج بالأمل والألم، والنفس المسكونة بالعذاب، والمشحونة بالعذوبة.. هو الحياة.
ويعد الفيلسوف (أفلاطون) هو المسؤول الأول عن إلغاء العلاقة بين الفنان عموما -والشاعر خاصة- وبين الواقع، ومن ثم استبعد الشعراء من جمهوريته في الفلسفة، لأنهم مثل الرسامين ينقلون الواقع ويحاكونه فقط، والحقيقة عنده تكمن في الأفكار المجردة أو الصور، ولذلك فإن عمل الفنان لا يعتبر شيئا ذا قيمة، لكن ليس بالضرورة أن يكون مرذولا، ويقتصر دوره على محاكاة الآلهة أو أنصاف الآلهة والأبطال الأسطوريين في الفكر الإغريقي(!).
وفي الفكر العربي وجدت هذه الفكرة هوى في نفوس الذين تأثروا بالفكر الإغريقي أثناء فترة الاحتكاك بالثقافات الأجنبية لا سيما في العصر العباسي، ووجدوا سندا في فهمهم الوهمي للآيات 224/ 225/ 226/ 227 من سورة الشعراء: [والشعراء يتبعهم الغاوون* ألم تر أنهم في كل واد يهيمون* وأنهم يقولون ما لا يفعلون* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون].
من يحدق في النفس الإنسانية وفي الآفاق الكونية، يدرك بلا عناء مدى الحاجة الماسة إلى من يوقظ في الناس أحاسيس المودة والرحمة و.. الإنسانية، تلك التي تبدو كأنها على وشك الانقراض!!
من غير الشعراء.. ينتزع الأقنعة التي تلتصق بالوجوه التصاقًا يحول بينها وبين حقيقتها وإنسانيتها وجوانيتها ووجدانيتها وحتى عقلانيتها؟.
من غير الشعراء.. تتسع قلوبهم لعذابات العالم وأشواقه؟.
لاشيء .. لاشي..