في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للأديب السوداني الراحل الطيب الصالح يستعرض علاقة الشرق بالغرب، ويناقش نظرة الشرقي إلى الغربي المُستعمِر، ونظرة الغربي إلى الشرقي القادم من إفريقيا بهوية وأفكار وثقافة مختلفة، كل ذلك من خلال بطل الرواية «مصطفى سعيد»، الذي يسافر إلى بريطانيا ليعمل في إحدى جامعاتها، ويتبنى قيم المجتمع البريطاني، وهناك يتعرف إلى زوجته «جين موريس» وهي امرأة بريطانية ترفض قبول إملاءات زوجها.
وحاول الطيب صالح، في روايته -وهي واحدة من أفضل روايات القرن العشرين في الوطن العربي طبقا لاتحاد الكتاب العرب- رصد نقاط الاختلاف والالتقاء بين الشرق والغرب وتوضيح الصورة النمطية التي يحملها كل طرف عن الآخر، حيث ينظر الشرقي إلى الغربي على أنه المتقدم المتطور، في المقابل يحمل الغرب عن الشرق صورة أخرى تتمثل
وحاول الطيب صالح، في روايته -وهي واحدة من أفضل روايات القرن العشرين في الوطن العربي طبقا لاتحاد الكتاب العرب- رصد نقاط الاختلاف والالتقاء بين الشرق والغرب وتوضيح الصورة النمطية التي يحملها كل طرف عن الآخر، حيث ينظر الشرقي إلى الغربي على أنه المتقدم المتطور، في المقابل يحمل الغرب عن الشرق صورة أخرى تتمثل في ظنهم بأن العربي بعيون سوداء، وبشرة سمراء يعيش في الصحراء بين الجِمال والفيلة، في بلاد متأخرة علميا وتكنولوجيا.
فزع أوروبي.. واطمئنان في الشرق
أثار زعماء أوروبا، خاصة في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، الرعب في نفوس شعوبهم، معتبرين أن المرحلة الأسوأ من فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد - 19) لم تأتِ بعد، وعليهم توديع أحبائهم، في الوقت الذي طمأن فيه قادة الشرق أبناء شعوبهم، ففي مصر كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي، الحكومة باتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية والوقائية، فصحة المصريين أهم من أي خسائر مادية واقتصادية، كما جاء تصريح رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، مطمئنا للغاية حين قال: «حافظوا على صحة عائلاتكم بالوقاية».
وفي المملكة الغربية، أثبت الشعب المغربي وعيا كبيرا، بالتزام المواطنين المنازل، وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، وفي المملكة الأردنية الهاشمية انتشر الجيش في لحظات داخل الدولة للحد من انتقال الأفراد، وفي تونس تم فرض حظر التجوال، والجزائر أغلقت كافة مساجدها، وكذا فعلت السعودية فيما عدا الحرمين الشريفين. والجدير بالذكر أن هذه الدول لم تشهد سوى إصابة العشرات فقط، ومعظمهم حالتهم مستقرة.
كما أن ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر جون جبور، صرح بأن مصر وسلطنة عمان هما الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان تملكان «نظام مراقبة قوي يعتمد على الأحداث». وذلك في الوقت الذي اعترفت فيه إيطاليا بالاستهانة بالفيروس في بداية انتشاره.
هل نشهد هجرة عسكية؟
طوال الوقت كان الطبيعي أن يهاجر البشر من الجنوب «الفقير المتخلف» إلى الشمال «الغني المتقدم»، مثلما في رواية الطيب الصالح الصادرة عام 1966، لكن هل توقعت يوما أن يحدث العكس؟
«35 سائحا إيطاليا يرفضون العودة من إثيوبيا بعد انتهاء مدة التأشيرات السياحية الخاصة بهم، وذلك خوفا من إصابتهم بفيروس كورونا.. هم الآن مهاجرون غير شرعيين».. منشور انتشر عبر موقع «فيسبوك»، لم يتسنَ التأكد من صحته أو نفيه، وبالبحث وجدنا أن موقع «Tele Maroc» هو الذي نشر الخبر، نقلا عن مصادر إعلامية لم يعلن أسمائها، وبحسب الموقع فإن السياح أبدوا ندما على أنهم كانوا ضد المهاجرين، وآخرون اعتبروا أن عودتهم إلى إيطاليا ستكون دربا من الجنون.
رغم عدم التأكد من صحة هذا النبأ حتى الآن، إلا أنه فتح الباب أمام سؤال «هل نشهد موسما للهجرة من الشمال إلى الجنوب؟»، ورغم أن هذه النبأ مشكوك في صحته إلا أن التدابير التي اتخذتها المكسيك وعدد من الدول الإفريقية في وجه القادمين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية غير مشكوك في صحتها.
المكسيك تبني جدارا
تذكرون تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن بناء جدار عازل مع المسكيك، حماية لبلاده من تدفقات الهجرة غير الشرعية؟ حسنا الآية انقلبت الآن، والمكسيك هي من ستغلق حدودها في وجه الولايات المتحدة، ففي 13 مارس الجاري، أعلن المسؤولون عن الصحة في المكسيك أنهم يفكرون في إغلاق الحدود مع أمريكا لمنع دخول فيروس «كورونا» إلى بلادهم، وذلك بعد أن تخطى حاجز المصابين -وقتها- 2000 حالة بينهم 43 متوفي، في حين أن المكسيك لم يتم تؤكد سوى 16 حالة إصابة فقط دون وفيات.
وفي مؤتمر صحفي، قال وزير الصحة المكسيكي هوجو لوبيز: «المكسيك لن تجلب الفيروس للولايات المتحدة، وما سيحدث هو العكس»، مضيفا: «إن التدفق المحتمل للفيروس سيأتي من الشمال إلى الجنوب»، وذلك بحسب ما ذكره موقع «ديلي ميل».
يجدر الإشارة إلى أنه وقت كتابة التقرير تخطت حالات الإصابة في أمريكا حاجز الـ35 ألف حالة توفي منهم نحو 471 شخصا (الثالثة عالميا)، وفي المكسيك ارتفعت حالات الإصابة إلى 316 توفي منهم شخصين فقط.
القارة السمراء تتحرك
إرث استعماري استمر لنحو 5 قرون شهدته القارة الإفريقية، نتج عنه استنزاف ملايين من الأفارقة كعبيد في العالم الجديد وفي القارة الأوروبية، وعنصرية لم تنتهِ حتى الآن، ونظرات استهجان للمهاجرين الأفارقة، وإغلاق للحدود في وجه أبناء القارة السمراء، لكن الوضع الآن اختلف.
بعد 6 سنوات من تفشي وباء «الإيبولا» الذي أدى إلى فرض قيود على السفر على العديد من سكان غرب إفريقيا، نجح وباء «كورونا» في عكس الموقف، حيث يفرض عدد متزايد من البلدان الإفريقية قيودا على الزيارات من قِبل الأوروبيين.
وأدى «الإيبولا» في عام 2014 إلى إغلاق الرحلات الجوية، وحظر التأشيرات، وأنظمة الحجر الصحي التي أثرت على الآلاف من المسافرين من بلدان غرب إفريقيا، واليوم تؤدي أزمة «كورونا» إلى فرض قيود مماثلة على عديد من الزائرين الغربيين إلى إفريقيا، وارتفاع مماثل في الخوف والشكوك من الأجانب، وبعد أن كانت وصمة العار على جبين الأفارقة بسبب «إيبولا»، أصبحت الوصمة الآن على جبين الأوروبيين.
وكانت معظم الحالات المؤكد إصابتها بالفيروس، قادمة لإفريقيا من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، فعلى سبيل المثال جنوب إفريقيا -حتى يوم 11 مارس- سجلت 13 إصابة: 12 كانوا مسافرين في أوروبا، وواحد كان متزوجا من أحد المسافرات، وفي نفس اليوم فرضت أوغندا -التي لم يكن ظهر بها أي حالات وقتها- قيودا، بتأجيلها سفر زوار 16 دولة -بينها 11 دولة أوروبية والولايات المتحدة-، وقالت وزارة الصحة الأوغندية أنهم إذا أصروا على زيارة البلاد، فسوف يطلب من مواطني هذه الدول الحجر الصحي لمدة أسبوعين، وهو نفس الإجراء الذي اتخذته دولة ليسوتو رغم عدم ظهور أي حالات بها.
ويوم الخميس الماضي، بعد أن اكتشفت موريشيوس، 3 حالات مصابة، أحدهم كان قادما من المملكة المتحدة والآخران يعملان على سفينة سياحية، أعلن رئيس الوزراء برافيند جوجناوث، أنه منع دخول القادمين عبر مطار الجزيرة لمدة 15 يوما، ومنع رسو السفن السياحية بجانب إغلاق المدارس.
سخرية القدر
في رواية الطيب الصالح، قال: «يا للسخرية، الإنسان لمجرد أنه خلق عند خط الاستواء، بعض المجانين يعتبرونه عبدا، وبعضهم يعتبره إلها، أين الاعتدال؟ أين الاستواء؟»، بعد «كورونا».. هل يكف المجانين عن نظرتهم العنصرية، ونراهم ينتشرون في بلاد اعتبروها درجة ثانية؟