(1)
وسكان كوكب الميديا يتداولون منذ ثلاثة أيام، ولا يزالون بشكل واسع، خبرا صادما لكل مواطن عربي غيور على عروبته، موصول بجذوره، مدثر بحب وطنه العربي الأكبر، ذلكم الخبر هو «اغتيال البروفيسور التونسي محمود عبد القادر البزرتي رئيس الفريق العلمي الذي يجري التجارب النهائية على اللقاح الخاص بفيروس كورونا في ألمانيا».
وقالت بعض وكالات الأنباء إن هذا الخبر يشكل صدمة مروعة للأوساط الطبية الألمانية مما يشكل انتكاسة كبيرة للجهود العالمية في مكافحة الفيروس المتوحش، حيث كانت الحكومة الألمانية تعلق آمالاً كبيرة على الدكتور البزرتي الذي كان سينقذ البشرية عبر أبحاثه الأخيرة على تفكيك الشيفرة الوراثية للفيروس، ومن ثم عزلها مخبريا، وإعادة تشكيلها ليتحول الفيروس المعزول مخبريا إلى لقاح مضاد، وهي تقنية جديدة تطبق لأول مرة في علاج الفيروس بالفيروس ذاته، طبقا لتوصيف «د. مأمون احمد الموصللي» في رسالته، إذ أيا من كان وراء الاغتيال، أفرادا أو جهات، فهو بالتأكيد يحاول أن يعزز انتشار الفيروس وأن يكون وحده يملك اللقاح او المصل، الآن قد تأكد العالم ان فيروس كورونا مصطنع، إنها باختصار جريمة بحق البشرية»(!!!).
هذه الصيغة أرسلها لي أيضا قراء كرام وأصدقاء في أكثر من جروب، وقرأتها على تويتر وفيسبوك، لكن الزميل «أحمد مطاوع» مدير التحرير في «التحرير» وهو المتابع جيدا لمجريات الأمور الميديا بحكم عمله، أخبرني أن خبر اغتيال العالم التونسي غير مؤكد، وأن الصورة المتداولة، تعود إلى الطبيب اللبناني المعروف الدكتور عبد الرحمن البزري، خبر الاغتيال مفبرك، واسم البروفسور التونسي لا وجود له، وفقا لمراجع تونسية رسمية، وبالنسبة إلي وفي تونس أكدت مصادر إعلامية أن خبر اغتيال محمود عبد القادر البنزرتي، عار من الصحة، وأن الجميع تفاجأ أيضا بهذا الخبر، وأوضحوا أنه تم البحث في سجل العلماء التونسيين الموجودين بألمانيا، ولم يعثروا فيه على اسم البروفيسور المذكور، بل توقعوا أن يكون الخبر مجرد «كذبة أبريل»(!!!).
(2)
وبالتأكيد أن الخبر راح يهز النفس هزا، وعلى الرغم من عدم صحته إلا أني بشكل عفوي وتلقائي كنت قد استدعيت -في الظلال الكئيبة لغاشية كورونا- بعض صفحات مؤلمة من ذاكرة اغتيالات العلماء والأدمغة العربية الذين يشغلون مساحات علمية فائقة في القائمة العلمية العالمية رغم أنف العصابات الصهيونية والماسونية العابرة للقارات.
ترى .. هل هي مصادفة أن يموت العلماء العرب إما فى ظروف غامضة أو في حوادث مريبة دون أن تُعرف الأسباب؟ كل الموشرات تؤكد أن «الموساد الصهيوني» انتهج على مدى عقود سياسة الاغتيالات لأبرز العلماء المسلمين الذين يشكلون النواة الحقيقية لأي مشروع علمي أو عسكري من الممكن أن يهدد دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما يجمع على ذلك المراقبون وأهل الاختصاص وذوو العلاقة.
(3)
في الأربع سنوات الأخيرة كان على رأس «ملف الاغتيال الغامض»:
- مهندس الطيران التونسي محمد الزواري، الذي شارك في تصنيع طائرة بدون طيار لصالح المقاومة الفلسطينية في 15 ديسمبر 2016 الأمر الذي يسلط الضوء على عمليات تصفية طالت علماء مسلمين ووُجه الاتهام في ارتكابها إلى الموساد الصهيوني، واتُهم مباشرة باغتيال علماء مسلمين في ظروف غامضة، وأحياناً بشكل سافر ومبرمج.
- «حالة رحيل» العالمة المصرية «منى بكر» التي أطلق عليها أهل الذكر العلمي في المحافل الدولية «ملكة النانو تكنولوجي الشرق الأوسط» !! ليس فقط لأنها رحلت، وليس فقط لأنها رحلت في عنفوان العمر والفكر والبحث والعطاء، بل أيضا لطغيان عنصر المفاجأة وضباب الغموض وغشاوة المشهد، والأكثر تفتيتا للحزن هو الصمت المطبق والإهمال المعيب إلا قليلا، في إسدال الستار على حياة هذه العالمة المصرية الشابة وسيرتها وصيرورتها، التي توفيت في الثامن من شهر مارس 2017؛ إذ تدهورت حالتها الصحية فجأة عقب عودتها من مؤتمر علمي بالصين وألم في ساقيها تطور إلى تورم باللون الأزرق تم تشخيصه بأنه مرض نادر أصاب المناعة عن طريق مهاجمة أجسام مضادة لكرات الدم الحمراء استدعى علاجها بجرعات الكورتيزون أثرت على تدهورها، وقد صنفت رقم 20 وفقًا للمؤشر الدولي الذي يصنف كل العلماء طبقًا لتخصصاتهم، وهو ما وضعها ضمن قائمة العلماء المرجعيين في مجال النانوتكنولوجي، حيث تم الاستشهاد بأبحاثها أكثر من 1800 مرة.
رحلت العالمة الجليلة منى بكر، وقد حققت مشروعات وإنجازات كثيرة، ثم فجأة تُعلن وفاتها بمرض مجهول..«!!» رحلت ودفن سرها معها، لا يعلمه إلا الله تعالى، لتنضم إلى قائمة العلماء العرب الذين ماتوا في ظروف غامضة، وهي العبارة السيئة السمعة: فهل هى مصادفة؟!
(4)
هذه اللا مبالاة في البحث عن موت العلماء النادرين تعيد دوران شريط العلماء العرب الذين رحلوا في ظروف غامضة تتغشاها مسحة الاغتيال والقتل، وقد كانوا «أدمغة» نادرة كل في تخصصه ومجاله ومساره.
- دكتور إسماعيل أحمد أدهم والمقال القاتل: مولود عام 1911 من أب مصري وأم ألمانية والذي حاز عام 1931 وهو في العشرين من عمره الدكتوراه في الفيزياء الذرية.
- عالمة الذرة د. سميرة موسى تموت في حادث سيارة في كاليفورنيا في أغسطس 1952 ويقفز سائق السيارة، زميلها الهندي في الجامعة الذي يقوم بالتحضير للدكتوراه، والذي اختفى إلى الأبد وأوضحت التحريات أن السائق كان يحمل اسما مستعارا، وما زال الملف مفتوحا.
- د. يحيى المشد، عالم الذرة والمتخصص في هندسة المفاعلات النووية، والمشرف على بناء المفاعل النووي العراقي، اغتاله الموساد الإسرائيلي عن طريق «مومس» في باريس في 13 يونيو 1980.
- د. سعيد السيد بدير، العالم المصري المتخصص في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي، توفي في 14 يوليو 1989 بالإسكندرية في واقعة يصفها الكثيرون بأنها عملية اغتيال من قِبل الموساد، وكان يعمل في أبحاث الأقمار الصناعية كأستاذ زائر في جامعة ليبزيخ في ألمانيا الغربية وتعاقد معها لإجراء أبحاثه، بدأت مخاوف الأجهزة المخابراتية خاصة الغربية منه تزداد مع أبحاثه الخاصة بالاتصالات والأقمار الصناعية، خاصة بعد كشفه عن أبحاث لكيفية السيطرة على قمر صناعي مُعادٍ لصالح مصر.
- حسن كامل الصباح.. فتى العلم الكهربائي: عالم لبناني من نوابغ المخترعين وكبار المكتشفين ورائد من رواد العلم البارزين على مستوى العالم، أولع بالرياضيات والطبيعيات، أول من صنع جهازا للتلفزة يخزن أشعة الشمس ويحولها إلى تيار وقوة كهربائية، لقب بـ«أديسون الشرق»، اغتيل الصباح في الولايات المتحدة، وأحاط حادث اغتياله الغموض إلى يومنا هذا.
- د. رمال حسن رمال والطاقة البديلة كان عالما في مجال الفيزياء.
- د. عبير عياش نجحت العالمة اللبنانية عبير أحمد عياش في تطوير علاج لوباء الالتهاب الرئوي اللا نمطي «سارس» تم العثور على جثتها في شقته دون إعطاء أية تفاصيل بعد أسبوع على وفاتها.
- د. سلوى حبيب اغتيالها لغز لم يتم حله بعد كانت أستاذة بمعهد الدراسات الإفريقية كانت من أكثر المناهضين للمشروع الصهيوني، وصبت اهتمامها في كشف مخططات القادة الإسرائيليين نحو القارة الإفريقية، وربما كان كتابها الأخير «التغلغل الصهيوني في أفريقيا».
- أردشير حسن بور عبقري صناعة الصواريخ في إيران كان يدير مركز الدراسات الكهرومغناطيسية النووية.
- د. جمال حمدان كان يرى أن مصر تحوَّلت من أول أمة في التاريخ إلى أول دولة، ثم أول إمبراطورية، وتوصل إلى تلك الحقائق من خلال دراسات جادة وأبحاث متعمقة، ولم يكن «حمدان» بعيدًا عن قضية العرب والمسلمين الأولى، وهي قضية فلسطين، التي اغتصبها الصهانية، بل قام بعدد من الدراسات عن اليهود، مفنِّدا أساطيرَهم المزعومة عن حقهم التاريخي في أرض فلسطين، احترق داخل شقته، يوم 16 أبريل 1993.
- د. مصطفى مشرفة.. أينشتاين العرب مات مسموما، عالم رياضيات وفيزياء مصري نبغ في سن مبكرة و كانت نظرياته الجديدة سبباً في نبوغه وشهرته عالمياً، أضاف نظريات جديدة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس، مات في 16 يناير عام 1950 بالسم .
- د. نبيل أحمد فليفل: استطاع عالم الذرة الفلسطيني الشاب نبيل أحمد فليفل دراسة الطبيعة النووية، وأصبح عالماً في الذرة وهو في الثلاثين من عمره، وكان ينوي الاستمرار في دراسة مادة القرن الواحد والعشرين، وتمكن من القيام بدراساته كاملة، وكان يلتهم كل ما تقع علية يده من كتب الذرة، وفجأة اختفى الدكتور نبيل ثم في يوم السبت الموافق 28 أبريل 1984 عثر على جثته في منطقة «بيت عور», ولم يتم التحقيق في شيء.
- د. نبيل القليني اختفى منذ عام 1975 وحتى الآن، كان هذا العالم قد أوفدته كلية العلوم في جامعة القاهرة إلى تشيكوسلوفاكيا للقيام بعمل المزيد من الأبحاث والدراسات في الذرة.
- د. سمير نجيب الذي أرعب الصهيونية العالمية: وهو عالم الذرة المصري من طليعة الجيل الشاب من علماء الذرة العرب، صدمته سيارة وقُيّد الحادث ضد مجهول.
- د. سامية ميمني قلبت موازين جراحات المخ والأعصاب طبيبة سعودية درست في جامعة الملك فيصل، عملت جاهدة على ترتيب معايير الإصابات الدماغية وطرق علاجها وقد استفاد العالم كله من أبحاثها الطبية واختراعاتها التي جعلت الطب في تطور مستمر، وجدت ميمني مقتولة في منطقة PALM PEAC بالولايات المتحدة، وهي في مقتبل عمرها والسؤال هنا يفرض نفسه لماذا قتلت الدكتورة سامية التي تعد من أنبغ العلماء العرب؟ وأين اختفت أبحاثها واختراعاتها وبراءة الاختراع؟ وما الهدف المنشود من وراء هذه الحادثة البشعة؟.
(5)
علامات استفهام واستنكار كبيرة.. ستظل تبحث عن إجابات.. وقد صدق ما جاء في الأثر الشعري:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها
متى يمت عالمٌ منها يمت طرفُ
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها
وإن أبَـى، عاد في أكنافها التلفُ
ومما جاء في الأثر: «العلم العالم للأمة بدرها الساري.. وسلسالها الجاري.. حياتهم غنيمة.. وموتهم مصيبة.. يذكرون الغافل.. ويعلمون الجاهل.. لا يتوقع لهم بائقة.. ولا يخاف منهم غائلة.. بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون.. وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون.. جميع الخلق إلى علمهم محتاج.. والصحيح على من خالف بقولهم محجاج».
(6)
أما بعد ،،،
قضية تخليط الحقيقة بالوهم في عالم الميديا.. تحتاج معالجات كثيرة وأطروحات عميقة، لعل مؤشرات الوعي ترتفع، ولا بد أن ترتقع، من أجل الحق وصولا إلى الحقيقة، وهذا ما سننفعله،، إن شاء الله، إذا كان في العمر بقية.