(1)
في شارع الصحافة.. ومن نافذة الكتابة المنتظمة يوميًّا أو أسبوعيًّا.. إذا أراد الكاتب أن يقرأ الناس ما يطرحه، أمامه خياران، لا ثالث لهما.. فإما أن أن تكتب في موضوع يشغل بال الناس والمجتمع، وإما أن تشغل بال المجتمع والناس بموضوع ما..
وفي اللحظة العالمية الراهنة، لاشيء يشغل الدنيا بأسرها إلا أزمة الفيروس كورونا.. لكن هناك ضجيج ولا طحن.. الأزمة أطاحت بالعالم بقدر ما أحاطت بها التشخيصات المملة، مللنا من الأحاديث ، الفيروس يستشري بكل ما لديه من توحش، والعالم ينكمش أمامه يسلم له ويستسلم إذعانًا وانقيادًا وعجزًا عن مواجهته..
فإن تحدث
وفي اللحظة العالمية الراهنة، لاشيء يشغل الدنيا بأسرها إلا أزمة الفيروس كورونا.. لكن هناك ضجيج ولا طحن.. الأزمة أطاحت بالعالم بقدر ما أحاطت بها التشخيصات المملة، مللنا من الأحاديث ، الفيروس يستشري بكل ما لديه من توحش، والعالم ينكمش أمامه يسلم له ويستسلم إذعانًا وانقيادًا وعجزًا عن مواجهته..
فإن تحدث الكاتب للقراء ازدادوا ضجرًا مثل ذلك الرجل الإيطالي الذي ظهر في فيديو وهو يحطم جهاز التليفزيون في بيته احتجاجا على الثرثرة التي تجاوز تأثيرها تأثير كورونا نفسه..!
وفي الوقت ذاته إذا ابتعد قليلا عن التداعيات المرعبة للحظة الكورونية الراهنة فلا يمكنه أن تكتب بصدق ومصداقية..!
فماذا أنت فاعل أيها القلم في هذا الألم..؟!. لقد حاولت..
(2)
رحم الله أستاذنا توفيق الحكيم، فقد بث فيَّ هذه العادة القيمة، إذ كان يحتفظ في جيبه بمفكرة صغيرة، يسجل فيها ما تعجبه من حكمة نادرة، أو قول مأثور، أو عبارة مضيئة، وكان كما قال لي في إحدى جلساتي معه، يغرها كل بضع سنين، فهي مخزون خلاصة تجارب حيوات الآخرين، والحياة تتواصل والأجيال أيضًا.
وللأفكار أجنحة، لا تحدها حدود، لاسيما اذا كانت قادرة على اختراق الزمان وتجاوز المكان والتحليق داخل الإنسان....
ومنذ اقتربت من شيخنا في منتصف عقد السبعينيات مع أولى خطواتي في شارع الصحافة حتى رحيله رحمه الله في 26 يوليو 1987 وأنا أعتز بهدا التقليد إلى يومنا هذا، على الرغم من تنوع وتطور وسائل حفظ وتخزين المعلومات.. إنها عملية انتقاء واصطفاء لكلمات ورؤى.. ورحيق تجارب حياتية، وحريق تفاعلات مع التحولات في الزمان والمكان.
أستدعي جماليات «المفكرة الخاصة» في هذه الأجواء التي تخضع خضوعًا مرعبًا للإمبراطور (كورونا) الذي يتضاءل دونه العالم بقواه العظمى والصغرى، بلا استثناء، ويرتعد منه الذين يمتصون دماء الشعوب بغطرستهم وصلفهم وها هم يمارسون (السباق نحو اللقاح) بعد أن عذبوا البشرية بـ( السباق نحو التسلح )..!
سكون وركود وكمون وترقب ورعب وترقب... و..و... كل مفردات هذه العائلة المرعوبة من (شيء غير مرئي) تعجز عنه مواجهته كل تكنولوجيا هذا العالم الذي أخذت أرضه زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها.. أتاها (كورونا) إن كان حقيقة وليس وهمًا (والعلم عند الله القادر.. القدير.. المقتدر..).
طلبت اللجوء إلي أوراق مفكرتي التي بلغ عمرها أربعين عامًا أو يزيد، قلبت بعض سطورها فقالت لي:
(3) مفارقات :
* سقطت شجرة فسمع الكل صوت سقوطها.. بينما تنمو غابة كاملة ولا يسمع لها أي ضجيج ! (أبو حامد الغزالي قبل نحو ألف عام )..!
* تبيض الدجاجة بيضة زهيدة الثمن فتملأ الدنيا بقيقا، بينما تضع السمكة آلافًا من الكافيار غالي الثمن وهي صامتة..
* السؤال: لماذا يرفع المتخاصمون أصواتهم ويصرخون في بعضهم وهم قريبون من بعض؟
الجواب: لأن المسافة بين القلوب ابتعدت، فيحتاجون إلى الصراخ لإيصال أصواتهم.. والدليل أن المتحابين تجدهم يهمسون أو تكفيهم النظرات، لأن قلوبهم هي التي تسمع!!.
* اللسان ليس له عظام: فعجبا كيف يكسر بعض القلوب.. وكيف يجبر بعض القلوب.. وكيف يقتل بعض القلوب.. وكيف ينير الله به الدروب..
* صدم شاب امرأة عجوزًا بدراجته، وبدل أن يعتذر لها ويساعدها على النهوض أخذ يضحك عليها، ثم استأنف سيره، لكن العجوز نادته قائلة: لقد سقط منك شيء؟ فعاد الشاب مسرعًا وأخذ يبحث فلم يجد شيئًا، فقالت له العجوز: لا تبحث كثيرًا. لقد سقطت «رجولتك» ولن تجدها أبدًا..
(4) نفحات:
* الورد لا يبوح باحتياجه للماء.. إما أن يسقى أو يموت بهدوء.
* بعض المنعطفات قاسية! لكنّها إجبارية لمواصلة الطريق..!
* هناك قلوب لن تحبك مهما أكرمتها.. وقلوب لن تكرهك مهما أوجعتها.
* أفضل من يدافع عنك في غيابك.. أخلاقك.
* القلوب الرقيقة: مظلومة دائمًا.. لأنها أسرع من يفتح الأبواب.
* ما أجمل الغرباء حين يصبحون أصدقاءنا قدراً ..! وما أصعب الأصدقاء حين يصبحون غرباء فجأة..!
* وأنت في قمة الغضب: لا تَتخِذ قرارًا.. وَأنتْ فِي قِمّة السعَادة: لا تعطِ وعدا.
(5) الكلمة نور .. ونار:
* لا تقل لطفل : اذهب إلى الصلاة! بل قل له: رافقني إلى الصلاة لنكون معًا في الجنة... عباراتنا لها أثر كبير.
* سئل اثنان عن سبب التأخير عن العمل؟ فقال أحدهم: انشغلت مع الوالدة.. وقال الآخر: الوالدة أشغلتني! (قمة الأدب.. وقمة قلة الأدب)..!
* شاب في يوم زفافه ترك باقة ورد على فراش أمه كتب عليها: «ستظلين الأنثى الأجمل في حياتي»..!.
(6) أليس كذلك؟
* عندما ترتفع؛ سيعرف أصدقاؤك من أنت، لكن عندما تسقط؛ ستعرف من هم أصدقاؤك!
* بعض الأحيان عليك أن تتوقف عن العتاب المستمر لشخص لا يهتم لما تقوله.. فكثير منا لا ينتبه لصوت المكيف في غرفته إلا بعد أن ينطفىء.. أليس كذلك؟
* أنت من تحدد قيمة نفسك، فلا تصغر من شأنك حين ترى فخامة الآخرين، فلو كانت القيمة تقاس بالأوزان لكانت الصخور أغلى من الألماس!!
* السمكة التي تغلق فمها لن يصيدها أحد، فأغلق فمك لأن هناك الكثير يتمنى أن يتصيد أخطاءك!
* عندما يبوح لك شخص فاستمع إليه جيدًا، فهو اختارك أنت من بينهم جميعًا، فلا تخذله..!.
(7) تجليات:
* سئل أحد الصالحين: لماذا تذهب إلى المسجد قبل الأذان؟ قال: الأذان لتنبيه الغافلين.. وأرجو ألا أكون منهم!
* قيل لأحدهم: كيف تصبر على البقاء لوحدك! فقال: أنا جليس ربي إذا شئت أن يكلمني قرأت القرآن، وإذا شئت أن أكلمه صليت ركعتين.
* لا تبكٍ على وسادتك.. فلن تغير من الأمر شيء، قُمْ وابكِ على سجادتك وسيرزقك الله بعد العسر يسراً..!
* نبحث في جيوبنا عن أقل فئات النقود كي نتصدق بها، ثم نسأل الله أن يرزقنا الفردوس الأعلى، ما أقل عطايانا، وما أعظم مطلوبنا..!