كثيرون منا وخصوصا فى الإعلام المصرى اليوم، وفى عديد من مؤسساتنا بل وفى كل مشاهد حياتنا يتبجح بالجهل، ويزدهر الظن على حساب الحق واليقين، ورغم أننا نحيا فى غيوم من الظنون فى كل تلك المشاهد، فإن الكثير منا يحلقون فى الظنون والأوهام صدرت عنهم أو عن غيرهم، فلا يدركون أن لهذا الكون إلها مهيمنًا على ملكوته،
كثيرون منا وخصوصا فى الإعلام المصرى اليوم، وفى عديد من مؤسساتنا بل وفى كل مشاهد حياتنا يتبجح بالجهل، ويزدهر الظن على حساب الحق واليقين، ورغم أننا نحيا فى غيوم من الظنون فى كل تلك المشاهد، فإن الكثير منا يحلقون فى الظنون والأوهام صدرت عنهم أو عن غيرهم، فلا يدركون أن لهذا الكون إلها مهيمنًا على ملكوته، وأننا سنقف بين يديه فى ساعة الحساب التى هى كدهر للعصاة والمذنبين، ولحظات للطائعين المؤمنين.
الحكمة التى بين أيدينا تتعرض لدقيقة من دقائق النفس، وأخص ما يحتاجونها اليوم قادة الرأى من الكتاب والسياسيين والحكام.
فى أدب تلك النفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى، تقول الحكمة لكل من يعتقد فى نفسه علمًا وحكمة واقتدارًا، أن هناك من الحقائق ما يجب أن يدركه قبل أن يترك الحق لحساب الظن.
أولاها أن ما يعلمه الإنسان من نفسه يرقى دوما لدرجة اليقين، بل الإنسان على نفسه بصيرة، أما ما يسمعه من الآخرين فى مقام المدح أو القدح، فلا يعدو كونه ظن الناس بك هذه الحقيقة التى يعلمها كل منا لا تخضع لأى نقاش، ومن ثم فإنها لا تحتاج إلى رسم أى دليل أو طرح أى برهان، فمعارف الإنسان فى النهاية عن غيره لا تتجاوز ما قد تبصره عيناه أو ما قد يتسرب إلى سمعه، وإنما يدرك كل من السمع والبصر من شؤون الآخرين وأحوالهم الظاهر المرئى أو المسموع فقط، والظاهر ليس دائما عنوانا للباطن بل كثيرا ما يكون مخالفا أو مناقضا له.
ثانية تلك الحقائق عندما تعلم من نفسك نقيض ما يمدحه الناس فيك من السجايا والصفات، ينبغى أن لا تقيم وزنا لكلامهم فمن يثنى عليك بالصلاح أو التقوى أو الورع والزهد، وأنت تعلم بالرجوع إلى ما تنطوى عليه نفسك أنك مبتلى بكثير من الشوائب التى تفسد عليك هذه الصفات التى ينعتك بها الناعتون ويمدحك بها المادحون لمـا يظنون، مقتضى التعامل مع العقل وميزانه أن تشفق على جهل هؤلاء الناس بك واغترارهم بظاهر أمرك، وأن تعود نفسك التقريع والتأنيب للسوء الذى تنطوى عليه، والذى لو كشف عنه ستر ربك لتحول المادحون لك إلى ازدراء ونفور منك.
ومن الحكايات اللطيفة التى تقرب هذا المعنى إلى الأذهان، قصة أشعب فقد روى عنه أنه أراد أن يرد عنه جمعا من الفضوليين والسفهاء أحدقوا به وتطفلوا عليه يحاورونه ويمازحونه، فأخبرهم أن فى تلك الدار التى تلوح لهم عن بعد وليمة مفتوحة، بسط فيها ما لذ من الطعام والحلوى، فلم يرتابوا فى صدقه واتجهوا يؤمون الدار التى أشار إليها، وما أن ابتعدوا عنه وغابوا عن بصره حتى داخله الوهم أن ما قد أخبرهم به حقيقة، فأسرع يشد نفسه لحاقا بهم قبل أن يتناهبوا الطعام فلا يظفر منه بشىء.
وهذا حال من يكذب الكذبة من الحكام أو السياسيين أو القادة، فبفعل الإعلام يقع من ذلك شىء كثير وتذكروا حكمة جوبلز وزير دعاية هتلر، اكذب ثم ردد الكذبة تصبح حقيقة.
وكما أن فى الناس من يخطئون فى المدح والثناء، ففيهم من يخطئون فى القدح والاتهام، فلماذا أفرد بن عطاء الله الحالة الأولى بالمعالجة والجواب، إن انتقاد الناقدين لك أو انتقاص المنتقصين لك، ينطوى فى كل الأحوال على ما هو خير لك، وإذا صح أن عمر بن الخطاب كان يقول: رحم الله امرؤا أهدى إلى عمر عيوبه، فإن كلا منا أولى منه بهذا الكلام ومن كان على بينة من نقائصه وعيوبه والشوائب النفسية التى تهيمن على نفسه، لم يشك فى صدق المنتقصين له بل لعله يشكرهم على ذلك قائلا: عرفت شيئا وغابت عنك أشياء
لا أظن أن أحدا بحاجة إلى تلك الحكمة من الرئيس الذى تلتف حوله بطانة السوء، فتخدعه عن نفسه وتصوره باعتباره مبعوث العناية الإلهية الذى أوتى الحكمة وفصل الخطاب، فتتغير نفسه من ألف المدح والثناء فيغيب القدح والانتقاد لبشر يخطئ ويصيب يحسن ويسىء، كشأن كل البشر تحيط به ظنون الناس فيه من حكمة وسداد رأى وحسن إدارة ورشد فى القرار، هذه الظنون فى مواجهة يقينه فى نفسه، متمتمًا ما ردده الصالحون فى مناجاة ربهم «يظن الناس بى خيرا وإنى لشر الناس إن لم تعف عنى». بهذا ينجو ويرشد.
نداء الله لخلقه أن كل منهم آتيه يوم القيامة فردا، تموت وحدك وتسأل وحدك فلا تدع يقينك فى نفسك لظن الناس فيك، فلن يحاججوا عنك يوم القيامة، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. أعاذنا الله جميعا من عذاب الله، وغواية نفوسنا وأقامها باليقين على مراده وعلى ما يرضيه إنه ولى ذلك والقادر عليه.