الإخوان على خُطى «داعش»
٢٥ أغسطس ٢٠١٥ - ١٢:٢٥ م
عندما أعدت لوجود طويل فى حكم مصر عبر مظلة سياسية قدرت أنها قد تكون الظهير السياسى لها داخل أوساط الإسلاميين تحت اسم الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، لكن مفهوم الهيئة الشرعية بالشكل المعروف لدى المجموعات التكفيرية المسلحة سواء القاعدة أو «داعش»، لم يكن معروفًا داخل الجماعة التى ظلّت مرجعياتها
عندما أعدت لوجود طويل فى حكم مصر عبر مظلة سياسية قدرت أنها قد تكون الظهير السياسى لها داخل أوساط الإسلاميين تحت اسم الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، لكن مفهوم الهيئة الشرعية بالشكل المعروف لدى المجموعات التكفيرية المسلحة سواء القاعدة أو «داعش»، لم يكن معروفًا داخل الجماعة التى ظلّت مرجعياتها الشرعية تابعة لقراراتها السياسية وأهدافها، فلم يخرج أبدًا بيان أو تكليف أو توجيه للأعضاء بعيدًا عن المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو المتحدث الرسمى أو حتى مجلس الشورى العام، لكن صدور بيان عن تلك الهيئة المزعومة لا يحمل سوى معنى من اثنين، إما أن الصراع بين مجموعة القيادة القديمة والقيادة الجديدة امتد إلى مساحة يحاول كل طرف فيها أن يؤصل لمواقفه وأفكاره باستخدام قميص الشريعة، فيتحدَّث القدامى عن أن خيارات الإخوان ستبقى إصلاحية متدرجة تراعى نواميس الكون والتى من بينها التدرج فى الخطوات والوسائل، محتججة فى ذلك بالآية والحديث، مؤكدة أنها تتقمص المنهج النبوى فى التدرج دون زيادة أو نقصان، وقد حاولت المجموعة القيادية الجديدة استخدام نفس السلاح فى تدعيم مواقفها فى مواجهة قواعد الجماعة التى لم تكن منقسمة عبر تاريخها كما هى اليوم، فلجأت إلى محاولة إقناع الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين بإصدار بيان يدعم توجهها نحو العنف، وهو ما رفضه رئيس الاتحاد د.يوسف القرضاوى، والنائب علِى قرة داغى، فلجأت المجموعة الجديدة إلى إصدار بيان الكنانة «1» وبيان الكنانة «2» الذى حاول شرعنة العنف والتحريض بعبارات واضحة على استهداف الجيش والشرطة، فهل يختلف هذا البيان الذى بين أيدينا عن محاولات كل فريق الانتصار لموقفه ومنطقه، وهل حاولت تلك المجموعة استصدار بيان الكنانة 3 فرفض عديد ممن وقعوا البيان السابق، خصوصًا بعد أن عاينوا فشل الإخوان فى إدارة الصراع مع الدولة بدليل أن الانقلاب، على حد تسميتهم، لم يترنح ولم يتراجع، بل ترسَّخت قواعد الحكم الجديد ولم يتطوَّر ما سمى الحراك الثورى رغم شموله حركات عنف، لجأت إلى التفجير والتدمير واستهداف البنية الأساسية، الاحتمال الثانى فى تقديرى أن مناشدات بعض قيادات تنظيم أنصار بيت المقدس فرع «داعش» فى مصر للإخوان بأن يتخلوا عن مظاهرات الأصابع الأربع فى تهكُّم واضح، واللحاق بهم فى العمل المسلح ومبايعة الخليفة أبو بكر البغدادى، خصوصًا بعد الدعاية الضخمة للتنظيم وعملياته النوعية فى مصر وخارجها، بما أقنع بعض المجموعات داخل الجماعة التى حاولت أن تنسجم مع تلك المناشدات أو تستجيب إليها بتبنى مفهوم الهيئة الشرعية التى تطرح نفسها الآن باعتبارها قيادة جديدة للجماعة، حسمت خيارها بالمضى على خطى «داعش». البيان يتحدَّث عن أن الحاكم الذى جاء بغير طريق شرعى من انتخاب حر مباشر لا شرعية له، وهذا يعنى أن السيسى حاكم متغلّب وهو حتى بهذا التوصيف لا يجوز خلعه وفقًا لما استقر فى الفقه السياسى الإسلامى بمدارسه السنية، لكن البيان يحتاط لهذا الأمر فيقول إنه لا ينطبق عليه وصف الحاكم المتغلّب، مؤكدًا أنه أصل لذلك بالكتاب والسنة دون أن يذكر البيان حيثيات هذا التأصيل المزعوم ثم يدّعى البيان أنه ينسجم مع ما ورد فى الوثيقة التى اعتمدها الأزهر الشريف بشيخه الحالى، إذن حتى شيخ الأزهر الحالى إن قال ما يناسب منطق الجماعة اعتمدته دون أن يمنعها ذلك من مهاجمته بشكل عام، وهذه سياسة ثابتة لجماعة ميكافيلى، ثم تظهر الهيستريا والتشنُّج فى لغة البيان، الذى يصف النظام الحالى بأنهم أخس من الخوارج وأقبح من البغاة وأشد ضررًا على الأمة من المحاربين لله ولرسوله، وهو وصف يتماهى مع وصف «داعش» لإخواننا الشيعة، يظهر فى البيان معنى آخر خطير وهو تحويل النظام الحالى إلى صائل أى عدو مهاجم لأرض الإسلام، يهجم على الناس لترويعهم وأخذ أموالهم ثم يوجب مقاومة هذا الصائل أحادًا وجماعات، ويفتح الباب لتلك المقاومة بمراحل هى تطبيق أمين لاستراتيجية أبى بكر الناجى فى كتابه إدارة التوحُّش، المانفستو الخاص بـ«داعش» حيث يقول إن المقاومة بدايتها إحداث النكايات وإن قلت الإمكانات، وهو نفس تعبير «داعش» الذى يسمى تلك المرحلة شوكة النكاية، ثم بعد ذلك ما يسميه البيان توازن الخوف والرعب وهو استمرار لنفس النهج الداعشى، قبل أن تصل المواجهة إلى مرحلة استكلمت الجماعة فيها جاهزيتها لما سماه نزال الحسم، وكل ذلك يتسق مع أفكار حسن البنا الذى أكد أنه «سنستخدم القوة حيث لا يجدى غيرها»، وقوله «إن القوة لديه لها مراحل هى قوة الإيمان ثم قوة الوحدة ثم قوة الساعد والسلاح»، وهو ما يبدو أن تلك المجموعة تدعو له فى جلاء، يجعلنا نقول إن الجماعة أو فريقًا على الأقل فيها حسم أمره بسلوك مسار العنف بشكل كامل، والإعداد لمعركة طويلة مع النظام تبدأ بالنكاية ثم توازن الرعب ثم النزال المباشر.
قد يخرج بيان من الجماعة أو قيادتها التى لا نعرف مَن يمثلها حتى الآن، ليقول إنها لا تعرف شيئًا عن هذا البيان أو عمن أصدره، لكن الرسالة ستكون وصلت إلى القواعد وتستطيع القيادة بعد ذلك أن تتنصل من كل هذا الكلام وَفقًا لمنهج الجماعة المعروف، لكن كل ذلك لا يعنى سوى أن الجماعة بشكلها المعروف انتهت، ولم يتبقَّ منها سوى جناح يمضى على خطى «داعش» بوضوح.