الهجرة كانت الحل بالنسبة لأغلب هؤلاء المواطنين الذين ضاقت عليهم أرضهم، فتوجهوا إلى بلاد قد توعدهم بحياة هانئة، فكانت "مصر" هي المقصد، خاصة بعد انتشار السوريين بها، وأثبات أنفسهم داخل البلد، وتحسين دخلهم بمشاريع تجارية ناجحة.
"شهران" تلك هي المدة التي انتشر
الهجرة كانت الحل بالنسبة لأغلب هؤلاء المواطنين الذين ضاقت عليهم أرضهم، فتوجهوا إلى بلاد قد توعدهم بحياة هانئة، فكانت "مصر" هي المقصد، خاصة بعد انتشار السوريين بها، وأثبات أنفسهم داخل البلد، وتحسين دخلهم بمشاريع تجارية ناجحة.
"شهران" تلك هي المدة التي انتشر بها هؤلاء الباعة داخل أسواق مدينة 6 أكتوبر، لينافسوا غيرهم من التجار والذين تنوعوا ما بين المصريين والسوريين، وآخرين من جنسيات مختلفة، فأصبحت المدينة كأنها تجمع عربي كبير.

للباعة المصريين في المنطقة آراؤهم في انتشار تجار منافسين لـهم، فيقول أحمد سعيد، إن الوضع مثلما هو عليه منذ قدوم السوريين، مضيفًا أنهم تعودوا على المنافسة، وتأقلموا مع الوضع، أما عيد عبد المجيد البائع العشريني فكان له رأي آخر، فيقول "دلوقتي بنبيع النص، والوضع مش زي الأول"، مضيفًا أن أساليب البيع التي يتبعونها الباعة الجدد عادة ما تجذب الزبائن.
"البياعين الأكراد سيطروا على أغلب منافذ البيع في المكان" هكذا قال زكريا عبد الخالق أحد أصحاب المحلات في ميدان الحصري، والذي لاحظ بشدة انتشار الباعة الأكراد في المنطقة، مضيفًا أنهم يأثرون بشدة على حركة البيع في المنطقة.
"حركتهم بتزداد مع دخول المدارس والجامعة" هكذا أوضح زكريا، مضيفًا أن ساعات الظهر هي أكثر الأوقات انتشارًا لهم، حيث تشتد حركة البيع، مع توافد الطلاب العرب على الجامعة.

البائعون الأكراد .. قصص مختلفة ومأساة واحدة
من تركيا وسوريا والعراق جاءوا، لم تكن لهم أبدًا دولة مستقلة أو لهجة موحدة رغم اتفاقهم في العرق والثقافة، فظروف القمع والحرمان شردتهم في أوطان مختلفة، بعد نهب أراضيهم وبعد أن أفقدتهم الحرب لـوظائفهم وأموالهم.
رغم ولادته ونشأته بسوريا إلا أنه لم يمنح جنسيتها أبدًا، إنه مجد سعيد، ذو الأربعين عامًا، البائع المتجول بأحزمة جلدية ونظارات شمسية، والذي قضى أغلب عمره مشردًا بين بلاد مختلفة، فيقول بلهجة شامية "أرض الله كلها وطننا"، مضيفًا أنه منذ صغره لم يعرف مكانًا ثابتًا له، فاعتاد الانتقال مع أسرته، لـعدم قدرتهم على الحصول على الجنسية السورية، لكونهم "أكراد".
جاء مجد إلى مصر منذ عام، عن طريق صديق سوري له، يقطن في مدينة 6 أكتوبر، فشجعه على المجيء، والعمل معه كبائع، بعدما ضاقت به كافة السُبُل في الحصول على عمل جيد في لبنان.
حياة مجد المتنقلة وغير المستقرة لم تسمح له بالزواج حتى الآن، لذلك يتسائل "مين راح ترضى بها الوضع؟"
بين العراق و سوريا وتركيا ومصر، دارت حياة الشاب الكردي الثلاثيني جميل صياح، الذي توجه إلى القاهرة بعد رؤيته لعدد من مشاريع المغتربين الناجحة، فيقول إن هذا ما شجعه على السفر والاستقرار بمدينة 6 أكتوبر، لوجود أكبر تجمع للعرب داخلها، مما يسهل عليهم التعامل مع جنسيات مختلفة.
"لم يتقبلونا في بداية الأمر" هكذا قال جميل عن عدم ترحيب الباعة المصريين بهم، مرجعًا السبب لجودة منتجاتهم وانجذاب الزبائن اليها، إلا أنه بالتعامل والعشرة أصبحوا كالعائلة الواحدة.

حياة الترحل التي أعتادها سليم سليم، جعلت أمر هجرته إلى مصر، ليس بالصعب عليه، فيقول إنه خلال فترة الحرب، شغل وظائف متنوعة، آخرها التجارة في القاهرة، مما جعله يكتسب خبرة واسعة، في التعامل مع نماذج مختلفة من البشر، ويضيف "لم أعد أبالي بأي مكان أنا موجود".

"نحن الأكراد بلا وطن بلا هوية بلا أوراق" هكذا بدأ غياث نخلة حديثه، متذكرًا بأسى كيف شردتهم أهوال الحرب، فيقول "نحن طول عمرنا ما قدرنا نعيش حياتنا بشكل طبيعي في أرضنا، وكمان نتشرد منها بالنهاية".
انتقل غياث مع زوجته وأطفاله، إلى كردستان العراق، هروبًا من بطش النظام بعد قيام الثورة السورية، إلا أن الوضع في العراق لم يختلف كثيرًا عن سوريا، كما يحكي، مما أضطره إلى اللجوء إلى مصر، بطرق غير مشروعة، شاهد خلالها الموت مع أسرته أكثر من مرة، إلا أن الصدفة قادتهم إلى أحد الجمعيات الخيرية التي ترعى اللاجئين، فاستقروا في 6 أكتوبر، ليبدأ عمله كبائع للأحذية.
رحلة غياث، المحفوفة بالخطر والموت واعتياد الفقد والأمل غير المنقطع في النجاة، كغيرها من رحلات الآخرين لم تبترها أهوال ما شاهدوه وعاشوه، بل مازال يتمسكون بأحلامهم في العيش بكرامة وآدمية.