عندما قرر الرئيس الأمريكي السابق، الأحمق جورج دبليو بوش، غزو واحتلال العراق في العام 2003، بدعم من نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه، دونالد رامسفيلد، كان جزءا من الدعاية التي يقدمونها للشعب الأمريكي يقوم على أن تلك الحرب ستكون نزهة سهلة، وأنها ستتم بأقل عدد من القوات وبأقل خسائر نظرًا للتفوق الكاسح للتكنولوجيا
عندما قرر الرئيس الأمريكي السابق، الأحمق جورج دبليو بوش، غزو واحتلال العراق في العام 2003، بدعم من نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه، دونالد رامسفيلد، كان جزءا من الدعاية التي يقدمونها للشعب الأمريكي يقوم على أن تلك الحرب ستكون نزهة سهلة، وأنها ستتم بأقل عدد من القوات وبأقل خسائر نظرًا للتفوق الكاسح للتكنولوجيا الأمريكية، وخاصة سلاح الطيران، مقارنة بالجيش العراقي المتهالك. وكان رامسفيلد يصر على أن غزو العراق بكل مساحته، والإطاحة بصدام حسين، عملية يمكن أن تتم بعدد من الجنود يتراوح بين مئة ألف و120 ألفا فقط لا غير.

وعندما أدلى رئيس أركان الجيش الأمريكي في ذلك الوقت، إيريك شينسكي، بشهادة أمام مجلس الشيوخ وخالف تقديرات رئيسه، قائلا إن الحد الأدنى للقوات المطلوبة هو 250 ألف جندي، جن جنون رامسفيلد، وضغط على كبار قادة وزارة الدفاع لكي تتم إحالة ذلك القائد العسكري الذي كان يحظى باحترام واسع للتقاعد.

كان الخلاف بين القيادة السياسية والعسكرية يدور حول أن المطلوب ليس فقط الإسراع في احتلال العراق، والوصول إلى قصر الرئيس السابق صدام حسين لكي يقوم كبار قادة الجيش الأمريكي بالاحتفال بنصرهم، ولكن الأهم هو السيطرة على العراق بعد ذلك وضمان عدم تحول هؤلاء الجنود الـ120 ألفا إلى صيد سهل للمقاومة العراقية المتوقعة.

استغرق الأمر عدة شهور حتى استطاعت المقاومة العراقية تنظيم صفوفها، وظن بوش وعصابته أنه يمكن الاحتفال سريعًا، وهبط الرئيس الأمريكي السابق في اللقطة الشهيرة على متن حاملة طائرات وهو يقود طائرة بنفسه وألقى خطابا حماسيا وفي الخلفية يافطة Mission Accomplished أو "المهمة انتهت".

طبعًا "المهمة" طالت بعد ذلك سنوات، سقط خلالها الآلاف من الجنود الأمريكيين ما بين قتيل وجريح. وقبل خروجه من البيت الأبيض، وبعد ثلاثة أعوام من غزو واحتلال العراق، قام بوش بالتخلص من وزير دفاعه رامسفيلد، وعاد لنصيحة رئيس أركانه الذي تمت إهانته والاستخفاف بآرائه. وأمر بوش بزيادة عدد قوات الاحتلال في العراق إلى 250 ألفا في محاولة للسيطرة على الوضع هناك.
كل هذه الخلافات بشأن استراتيجية إدارة الحرب، والأهم، كيفية التقليل من حجم الخسائر البشرية كان يتم طرحها ومناقشتها علنًا في الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية. ولم يكن مؤيدو الحرب يتهمون خصومها بالخيانة وكراهية الوطن عندما كانوا ينظمون حملات هدفها دفع رامسفيلد لتوفير المعدات اللازمة من أجل مواجهة المقاومة العراقية المتصاعدة، خاصة بعد أن طورت المقاومة أسلوب القنابل المزروعة على جانب الطريق، واستطاعوا عبرها قتل المئات من الجنود الأمريكيين.
قامت الدنيا ولم تقعد في الإعلام الأمريكي إلا بعد أن بدأت وزارة الدفاع بإنتاج عربات مصفحة أكثر متانة وقدرة على تحمل تفجيرات قنابل المقاومة. حينها لم يتهم المسئولون العسكريون أحدا بالسعي لإضعاف الروح المعنوية للقوات المسلحة الأمريكية أو أنهم يتلقون أموالا من الخارج ويسعون لتهديد السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية وزعزعة الاستقرار، وذلك لإدراكهم صدق نيات أصحاب هذه الانتقادات، وأن هدفهم بالفعل هو الحفاظ على أرواح الجنود الأمريكيين الذين يضحون بأرواحهم تنفيذًا لأوامر القيادة السياسية.
لو قارنا تلك الوقائع بما يواجهه جيشنا البطل في سيناء على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، فماذا ستكون النتيجة؟ على مدى نحو ثلاث سنوات تقريبًا، والقيادة السياسية والعسكرية تعدنا بأن النصر قريب، وقرأنا عشرات البيانات التي تشير إلى مقتل المئات، إن لم يكن الآلاف من الإرهابيين. وفي العملية التي أطلقت عليها القوات المسلحة "حق الشهيد" واستمرت على مدى أسابيع في سبتمبر 2015، كانت محصلة البيانات الرسمية مقتل ما يزيد على 530 إرهابيا.
ورغم كل هذه الأعداد من القتلى من الإرهابيين، تستمر العمليات الإجرامية التي تستهدف أرواح جنودنا وضباطنا من الجيش والشرطة، وآخرها العملية الجبانة التي أدت إلى مقتل 15 جنديا وضابط شرطة وخطف ثلاثة جنود، وفقًا للبيانات الرسمية. وكل يوم تقريبًا، نقرأ عن عملية تفجير مدرعة تؤدي إلى قتل جنود وضباط، شرطة وجيش، أو استهداف كمين ثابت.
هؤلاء الأبطال الذين يضعون أرواحهم على أكفهم بشكل يومي على مدى الثلاث سنوات الماضية يستحقون ما هو أفضل من ذلك بكثير. يستحقون، على أقل تقدير، أن نطرح أسئلة نتلقى عنها إجابات من القيادتين السياسية والعسكرية بشأن مدى نجاعة الاستراتيجية المتبعة لمقاتلة الإرهابيين في سيناء على مدى نحو ثلاث سنوات، وهل نوفر لرجال الشرطة والجيش هناك كل وسائل الحماية المطلوبة لضمان الحفاظ على أرواحهم؟ ألا تعتبر فترة الأعوام الثلاثة كافية للمحاسبة والمساءلة، والأهم المراجعة واتباع وسائل أكثر فعالية أولا وقبل كل شيء للحفاظ على أرواح جنودنا وضباطنا، وبعد ذلك هزيمة الإرهاب؟
ولكن للأسف نحن ممنوعون من طرح هذه الأسئلة أو حتى مناقشتها علنًا، ليس فقط بسبب هجمات قطيع المطبلين من الجهلة، ولكن وفقًا لقانون الإرهاب الذي أصدره الرئيس السيسي ووافق عليه برلماننا من دون نقاش أو جدال. فذلك القانون يمنع تقديم أي معلومات تخص العمليات العسكرية في سيناء سوى ما يرد في البيانات الرسمية للجيش. وهذا يعني أنه يجب أن نلغي عقولنا ونتوقف عن طرح أية أسئلة، حتى لو كانت هذه الأسئلة تدور في ذهن الجميع. نعم الحرب طويلة وصعبة، والإرهابيون وسائلهم وأسلحتهم متطورة جدا مقارنة بما كان عليه الحال قبل سنوات. وجنودنا وضباطنا يبذلون جهدا خارقا بالفعل في ظروف صعبة، ومعهم المدنيون من أهلنا في سيناء، والذين يدفعون ثمنا كبيرا سواء بأرواحهم أو بممتلكاتهم أو ظروف حياتهم التي تحولت إلى جحيم.
ولكن الوفاء لشهدائنا في سيناء، والرغبة في تجنب سقوط ولو شهيدا واحدا إضافيا، هو ما يجب أن يدفع لطرح هذه الأسئلة، دون خوف أو اتهامات بالخيانة، وربما الملاحقة والسجن بعد محاكمة سريعة أمام قضاة عسكريين بتهمة إفشاء الأسرار.