«فقدان رفيق الكفاح والسلاح أمر مؤلم حقًا» كانت تلك كلمان نعى الخامنئى لرفسنجانى، ففى مساء أمس الأحد، أعلنت وكالة أنباء «أرنا» خبر وفاة «أكبر هاشمى رفسنجانى» (أمين مصلحة تشخيص النظام) عن عمر 82 عامًا، إثر تعرضه لأزمة قلبية فى مشفى شهداء تجريش غرب طهران. خبر وفاة رفسنجانى
«فقدان رفيق الكفاح والسلاح أمر مؤلم حقًا» كانت تلك كلمان نعى الخامنئى لرفسنجانى، ففى مساء أمس الأحد، أعلنت وكالة أنباء «أرنا» خبر وفاة «أكبر هاشمى رفسنجانى» (أمين مصلحة تشخيص النظام) عن عمر 82 عامًا، إثر تعرضه لأزمة قلبية فى مشفى شهداء تجريش غرب طهران. خبر وفاة رفسنجانى بمثابة زلازل هز أركان إيران كاملة.
بمجرد نشر خبر وفاة رفسنجانى تجمع المئات من الإيرانيين أمام المشفى، الذى يرقد فيه رفسنجانى، وقد جاء بعضهم على أمل تكذيب خبر وفاته، والبعض الآخر جاء لتوديع ذلك الشيخ، الذى يحظى بحب معظم الإيرانيين.
من هو هاشمى رفسنجانى؟
ولد رفسنجانى عام 1934 فى قرية صغيرة فى محافظة كرمان جنوب شرق إيران. تلقى تعليمًا دينيًا فى الحوزة العلمية بمدينة قم، وتتلمذ على يد الخمينى، وكان من أكبر المناصرين للخمينى.

أثناء عهد الشاه بهلوى أعتقل رفسنجانى أكثر من مرة بسبب دعمه الخمينى، كانت آخرها عام 1978 قبل قيام الثورة الإيرانية. وبقيام الثورة وقدوم الخمينى إلى إيران أفرج عنه، وكان من أوائل المستقبلين للخمينى، ومن وقتها أصبح رفسنجانى مرافقًا للخمينى فى كل شىء، وأصبح عضوًا فى مجلس قيادة الثورة، وأحد أهم وأبرز السياسيين.
أثناء ذلك تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة فى 1979، ثم تم تعيينه كمساعد وزير الداخلية فى أول حكومة بعد الثورة الإسلامية. شارك فى صياغة الدستور الإيرانى، وأنتخب رئيسًا لأول برلمان بعد الإطاحة بالشاه، وتولى هذا المنصب لثلاث دورات متتالية.
أثناء الحرب العراقية/ الإيرانية عينه الخمينى نائبًا للقائد الأعلى للقوات المسلحة، ولعب دورًا بارزًا فى حرب الثمانى سنوات، وهو الرجل الوحيد من رجال الثورة، الذى فتح قنوات حوار مع الأمريكيين فى ذلك الوقت، مما فتح عليه النار من جانب التيار المحافظ، الذى اعتبر ذلك الأمر خيانة لمبادئ الثورة.
من هنا أصبح لرفسنجانى علاقات قوية ومواليون له داخل الجيش الإيرانى والحرس الثورى وتمتع بنفوذ كبيرة داخل أغلب المؤسسات الأمنية الإيرانية.

بعد وفاة الخمينى أنتخب رفسنجانى رئيسًا لإيران لدورتيين متتاليتين ما بين عام 1989 و1997. كانت فترة حكم رفسنجانى لإيران مثمرة على أغلب الأصعدة. فقام بفتح السوق الإيرانى أمام الاستثمارات الأجنبية ووضع خطة لإعادة إعمار إيران بعد حربها مع العراق وعمل أيضا على التقارب الإيرانى الغربى، لكن كان تقاربًا على استحياء.
علاقته وخلافاته مع الخامنئى
يعرف كل المهتمين بالشأن الإيرانى أن هاشمى رفسنجانى هو من صنع الخامنئى، وهو السبب الرئيسى فى اختيار الأخير مرشدًا أعلى للبلاد. فعندما مات الخمينى احتار رجال الدين فى أمر اختيار خليفة له. ثم جاء رفسنجانى لينهى تلك الحيرة، فذهب إلى مجلس الخبراء فى واقعة مشهورة، وقال: (سألت الخمينى فى أواخر أيامه ماذا سنفعل بعد رحيلك؟ فأجابنى: لا تخافوا وبينكم خامنئى)، وتم بالفعل انتخاب الخامنئى مرشدًا أعلى لإيران.
بدأ الخلاف بين رفسنجانى وخامنئى عندما دعم رفسنجانى الإصلاحى محمد خاتمى لرئاسة الجمهورية فى عام 1997 ضد مرشح التيار المحافظ والرجل المقرب من الخامنئى ناطق نورى، وتصريح رفسنجانى آنذاك أنه لن يسمح بأى تزوير فى الانتخابات. وتأجج الخلاف أكثر عندما قرر رفسنجانى خوض انتخابات الرئاسة فى عام 2005 أمام محمود أحمدى نجاد، على الرغم من توصية الخامنئى له بعدم خوض الانتخابات.

وخسر رفسنجانى أمام نجاد، لكن أثناء دورة إعادة انتخاب رئيس الجمهورية فى 2009 دعم رفسنجانى المرشح الإصلاحى مير حسين موسوى، ضد نجاد، لكنه أيضا فشل، ونشبت المظاهرات المناهضة لنتيجة الانتخابات، واتهم رفسنجانى النظام بتزوير نتيجة الانتخابات لصالح نجاد، ووجه رسالة صريحة لخامنئى، يحذره فيها من اللجوء إلى استخدام الحرس الثورى لقمع تلك المظاهرات.
كل تلك الأمور زادت من فجوة الخلاف بين رفقاء الثورة والكفاح، وأصبح الصراع بين رفسنجانى وخامنئى معلنًا خاصة بعد مرض الأخير، وانتشار شائعات مفادها أن رفسنجانى ينوى خلافة خامنئى كمرشد أعلى لإيران بعد موته، معتمدًا فى ذلك على نفوذه القوية فى الجيش الإيرانى والحرس الثورى، مما دفع خامنئى من منع رفسنجانى من تولى قيادة مجلس خبراء القيادة، واختيار رجل الدين المحافظ آيه الله محمد يزدى، فى محاولة منه لتقييد رفسنجانى.
رفسنجانى وروحانى
روحانى هو تلميذ رفسنجانى المحبب، ويعتبر الأخير من أهم الداعمين له، وإذا جاز التعبير، فيعتبر رفسنجانى حائط الأمان لروحانى والسد المنيع بينه وبين تسلط الخامنئى. ففى عام 2013 دعم رفسنجانى روحانى فى الانتخابات الرئاسية، ويقال إنه كان الممول الأساسى لحملته الانتخابية.
موقفه من الحرب فى سوريا
فى عام 2013 كان رفسنجانى يلقى كلمة له أمام حشد جماهيرى فى إحدى محافظات إيران، ونقلت وكالة «إيلنا» للأنباء تصريح له كان قد أدلى به يتهم فيه رفسنجانى النظام السورى بضرب شعبه بالكيماوى، وتعد هذه هى المرة الأولى، التى يتهم فيها مسؤول إيرانى بارز نظام بشار الأسد غير أنه كان من المعارضين لدخول إيران الحرب فى سوريا بجانب الأسد.

موقفه من الاتفاق النووى
كان رفسنجانى من أكبر الداعمين لذلك الاتفاق، وكان يرى أن من المهم إنجاز إيران لذلك الاتفاق للخروج من عزلتها الاقتصادية وفتح السوق الإيرانى للاستثمارات الأجنبية وحل مشاكل البلاد الاقتصادية.
علاقاته الخارجية
رفسنجانى كان دائم القول بأهمية فتح حوار مع الدول الأوروبية عامة وأمريكا خاصة، فكان يرى أن ذلك سيساعد على النهوض بإيران، وأن الأمر ليس به أى شىء من الخيانة، كما يدعى أنصار التيار المحافظ. أمام بخصوص السعودية فيعتبر رفسنجانى من الشخصيات السياسية النادرة فى إيران، التى كانت تدعو لحل الخلافات مع السعودية، والجدير بالذكر أن من ضمن تصريحاته الأخيرة أوصى روحانى بمحاولة تحسين العلاقات مع السعودية.
ثروة رفسنجانى
من المعروف أن رفسنجانى سليل عائلة ثرية من كبار المزارعين فى إيران، ويمتلك هو وعائلته معظم مزارع الفستق فى إيران. ففى عام 2003 وصفته مجلة «فوريس» الأمريكية بأنه من أغنى أغنياء العالم. ويعتبر رفسنجانى من أكبر المتاجرين بالفستق فى العالم، وليس فقط إيران.
لكن هناك أقاويل متضاربة حول مصدر ثروته الحقيقى بجانب تجارة الفستق، فيرجع البعض مصدر ثروته إلى عمله فى مجال تجارة العقارات، ويقول آخرون، إن مصدر تلك الثروة من نشاطه فى تجارة السلاح المتورط فيها الحرس الثورى أيضًا.
برغم كل ذلك عاشت إيران أمس يومًا طويلًا من الحزن على ذلك الرجل الذى بموته ستتغير الصورة كاملة فى المشهد السياسى الإيرانى فقد كان من أحد أهم أركان الحياة السياسية الإيرانية، ومن أهم خمس شخصيات شاهدة على الثورة الإسلامية فى إيران، وكان يعلم الكثير والكثير من أسرار النظام الإيرانى. وموته أيضًا سينعكس بالضروة على الانتخابات الرئاسية المقبلة فى شهر مايو القادم، فقد خسر روحانى والتيار الإصلاحى الأب الروحى لهم.
وبخصوص من سيخلف الخامنئى، فالأمور كلها انقلب رأسًا على عقب بموت رفسنجانى، وستبدأ صفحة جديدة فى السياسة الإيرانية.