«كنيسة الشهداء»، هكذا يطلق آباء الكنيسة القبطية «المصرية» الأرثوذكسية، على كنيستهم -على مدار تاريخ يقترب من الـ2000 عام- منذ تأسيس "مار مرقس" ويتقدم أتباعها للموت طوعا كلما تعرضوا للضغوط ليتراجعوا عن الإيمان المسيحي، فيشهدون للمسيح ويذهبون للموت، استقبلت رفات آخر شهدائها
«كنيسة الشهداء»، هكذا يطلق آباء الكنيسة القبطية «المصرية» الأرثوذكسية، على كنيستهم -على مدار تاريخ يقترب من الـ2000 عام- منذ تأسيس "مار مرقس" ويتقدم أتباعها للموت طوعا كلما تعرضوا للضغوط ليتراجعوا عن الإيمان المسيحي، فيشهدون للمسيح ويذهبون للموت، استقبلت رفات آخر شهدائها المقتولين خارج مصر، وبالتحديد في ليبيا منذ منتصف فبراير 2015.
بداية الاستشهاد للمصريين المسيحيين كانت بقتل القديس مرقس نفسه أحد رسل المسيح الـ70 ومؤسس كرسي الإسكندرية البابوي حيث «استشهد» في شوارع الإسكندرية بعدما تم ربطه بالخيول وسحله في الأرض، من قبل جنود الوالي الروماني، وصولا إلى الـ21 مواطنا مصريا مسيحيا المقتولين في ليبيا قبل أكثر من 3 سنوات على يد تنظيم الدولة الإرهابي «داعش».

الكنيسة المصرية تضع الشهداء والمعترفين، -أي الذين اعترفوا بالإيمان المسيحي واستشهدوا حتى لو لم يكونوا مسيحيين من قبل- في ترتيب متقدم يسبق القديسين الآخرين، حتى إنها حينما قررت أن يكون لها تقويمها الخاص، أعادت إحياء التقويم المصري القديم الذي استخدمه المصريون القدماء وضبطوا عليه توقيتات الزراعة، في عام 284م، وسمته «تقويم الشهدا»، وتم اختيار هذا العام، لأن الإمبراطور الروماني دقلديانوس الذي تعتبره الكنيسة أكثر الأباطرة اضطهادا للمسيحيين اعتلى فيه العرش.
15 فبراير عيدا للشهداء في تاريخ الكنيسة المعاصر

خلال العقود الأربعة الماضية تعرض المواطنون المصريون المسيحيون لإحداث عنف على فترات، منذ أحداث الخانكة 1972، ثم أحداث الزاوية الحمراء عام 1981 في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، مرورا بأحداث مثل الكشح 1998 في عهد الرئيس الأسبق مبارك، ثم تفجير كنيسة القديسين في الدقائق الأولى لعام 2011 ومع تلك الحادثة بدأ يتزايد عدد القتلى من المسيحيين في حوادث إرهابية أدت لمقتل مئات وإصابة عدد ليس بقليل، خاصة تفجيرات الكنائس مثل البطرسية في 11 ديسمبر 2016 والمرقسية بالإسكندرية ومار جرجس طنطا في 9 إبريل 2017.
وتعتبر حادثة مقتل الـ21 مواطنا مصريا في ليبيا على يد تنظيم داعش، علامة فارقة، بالنسبة للكنيسة رغم حدوث تفجيرات أخرى بعدها راح ضحيتها أعداد أكبر، واختار المجمع المقدس للكنيسة القبطية في اجتماع يونيو الماضي، يوم 15 فبراير الذي أذيع فيه مقطع الفيديو الخاص بذبح الـ21 مصريا عام 2015 ليكون عيدا لشهداء الكنيسة في التاريخ المعاصر.
الكنيسة تحفظ ذكرى شهدائها جيدا

مشهدان بينهما 50 عاما إلا أنهما يوضحان كيف تبجل الكنيسة القبطية «شهداءها»، في عام 1968 ذهب البابا الراحل كيرلس السادس إلى المطار لاستقبال رفات جسد "مار مرقس" بعد استعادتها من إيطاليا بعد سرقتها منذ عدة قرون من مصر، أمس ذهب البابا تواضروس الثاني إلى المطار لاستقبال رفات «شهداء الكنيسة في ليبيا»، وكما أقيم مدفن ومزار خاص بالقديس مرقس أسفل الكنيسة الكبري بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، أقيم مدفن ومزار خاص لـ«21 شهيدا»، في الكنيسة التي بنتها الدولة المصرية على اسمهم بقرية العور في مركز سمالوط في محافظة المنيا.
بنفس الطريقة أقامت الكنيسة مدفنا خاصا في كنيسة الأنبا شنودة بالمقطم، لـ«شهداء البطرسية»، ومدفنا خاصا بكنيسة مارجرجس بطنطا لـ«شهداء تفجير الكنيسة يوم أحد السعف في 9 إبريل2017»، وخصصت الكنيسة مدفنا بدير مار مينا بكينج ماريوت، الإسكندرية لـ«شهداء كنيسة القديسين»، ولحق بهم «شهداء» الكنيسة المرقسية في تفجير يوم 9 إبريل 2017، وأقامت الكنيسة داخل المركز الثقافي القبطي مزارا خاصا يحتوي على مجموعة من الأغراض الخاصة بشهداء تفجيرات القديسين وطنطا والمرقسية والبطرسية.
وتحتوي أغلب الكنائس في مصر على مجموعة من رفات القديسين والشهداء، والتي يتم تطييبها كل عام في عيد استشهاد القديس أو مجموعة الشهداء مثل شهداء الفيوم، وشهداء أخميم وغيرهم، وتذكر الكنيسة شهداءها في الألحان والصلوات يوميا، كل واحد حسب يوم استشهاده، وكذلك من خلال كتاب السنكسار الذي يحتوي سير الشهداء والقديسين وتقرأ الكنيسة يوميا سيرة كل قديس وشهيد حسب العيد الخاص به.