يبدو أن السباق الدرامي الرمضاني أصبح له وجهةً أخرى غير الأداء التمثيلي القوي والعمل المميز، فبدلًا من أن يكون التنافس معياره الأول هو تقديم محتوى فني جيد على المستوى الإخراجي والكتابي والتمثيلي، أصبح المعيار الأوحد للنجاح لدى بعض الفنانين هو تحقيقه لأرقام ومشاهدات أكبر عبر موقع "يوتيوب"،
يبدو أن السباق الدرامي الرمضاني أصبح له وجهةً أخرى غير الأداء التمثيلي القوي والعمل المميز، فبدلًا من أن يكون التنافس معياره الأول هو تقديم محتوى فني جيد على المستوى الإخراجي والكتابي والتمثيلي، أصبح المعيار الأوحد للنجاح لدى بعض الفنانين هو تحقيقه لأرقام ومشاهدات أكبر عبر موقع "يوتيوب"، ونستطيع أن نقبل ذلك من منتجي المسلسلات ويكون على الرحب والسعة، حيث إن مقياس النجاح لديهم هو في المقام الأول جمع أموالهم والربح مما يُقدّم، إلا أن تلك النظرة حينما تُسيطر على الفنانين وصناع المسلسلات ستكون النتيجة هي ما نراه الآن من أخطاء فادحة في معظم الأعمال، خاصةً التي تحظى بمشاهدات عالية، فطالما أن الزبون يأكل كل ما يُقدّم له من وجبات بسبب أن الشيف يتمتع بشعبية كبيرة، فما المانع أن تكون تلك الوجبات مذاقها سيئ أو "ناقصة سوى"؟
الفنان محمد رمضان أبرز مثال على ذلك.. محمد يخرج علينا صباحًا مساءً عبر حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي فقط ليؤكد أنه "رقم 1" في مشاهدات موقع "يوتيوب" بمسلسله "نسر الصعيد"، وأنه الأكثر بحثًا عبر "جوجل"، والتريند الأول عبر "تويتر"، وأنه "نجم الجيل وبرنس التماثيل"، حينما اطلعنا فقط على حساب "فيسبوك" الخاص به وجدنا 8 منشورات له منذ بداية رمضان تُعبر عن ذلك.. أحد محبيه يُعلق له بجملة مناسبة: "يا محمد يا رمضان بلاش أوفر أنا بحبك متزعلنيش.. محدش بيعمل اللي أنت بتعمله ده، ولا حد طالع يقول الأول ولا الأخير، دي مش ثقه كده متخلنيش أزعل"، وآخر: "ما خلاص يا عم ڤاندام فيه إيه، الناجح مابيعدش يهري كتير ويحرق في بنزين كتير كده، الناجح مابيطلعش يقول أنا ناجح وبيسيب الناس هي اللي تتكلم عنه وتشاور عليه".. إن كان لا يُصدقنا رمضان ويظن أننا من فبركنا تلك التدوينات عليه فقط مراجعة تعليقات متابعيه ليطلع على الكثير منها.
رمضان بالفعل هو رقم 1 في المشاهدات عبر موقع "يوتيوب"، ومنافسه الأقرب هو الفنان أمير كرارة بمسلسله "كلبش 2"، وإن كان الفارق ليس كبيرًا بمجموع مشاهدات مسلسل "نسر الصعيد" على حسابي شركة الإنتاج "العدل جروب" والقناة العارضة DMC، ومشاهدات "كلبش 2" عبر حسابي شركة الإنتاج "سينرجي" والقناة العارضة "الحياة"، فمثلًا الحلقة الأولى لـ"نسر الصعيد" حققت مشاهدات عبر الحسابين تبلغ 9.1 مليون مشاهدة حتى الآن، فيما تبلغ مشاهدات الحلقة الثامنة 5.2 مليون مشاهدة حتى الآن، بينما الحلقة الأولى لـ"كلبش 2" حققت مشاهدات عبر الحسابين تبلغ 8 ملايين مشاهدة حتى الآن، فيما تبلغ مشاهدات الحلقة الثامنة 4.2 مليون مشاهدة حتى الآن، مع الأخذ في الاعتبار أن كرارة يسبق رمضان بحلقة، أي أن حينما تُعرض الحلقة مثلًا الخامسة لـ"كلبش 2" يكون في نفس اليوم عرض الحلقة الرابعة لـ"نسر الصعيد"، وهي ملاحظة في صالح رمضان أيضًا في حسابات المشاهدات، والأرقام التي ذكرناها تعبر عن مجمل حلقات كلا العملين، وتدل على أن الصدارة في صالح "نسر الصعيد".
على الرغم من ذلك، "نسر الصعيد" هو أكثر عمل في رمضان وقع في أخطاء فادحة بالحلقات الأولى، بدءًا من "الحسنة" التي تظهر على وجه "صالح" في مشهد وتختفي في آخر، مرورًا بظهور كرة القدم الخاصة بكأس الأمم الإفريقية 2008 رغم أن أحداث الحلقة الأولى كانت تجري في عام 1998، وفي الحلقة الثالثة عندما يهم "زين" لإنقاذ شخص يتعرض للغرق ويقفز من فوق الكوبري، على الجانب الآخر يظهر مجموعة من المواطنين يقفون على الجانب الآخر من الكوبري وهناك من يمنعهم من العبور حتى لا يفسدون اللقطة، وفي الحلقة الخامسة تظهر شقيقة "فيروز" في إحدى اللقطات وهي تلتقي بـ"زين" ويظهر الميكروفون الذي كانت ترتديه بوضوح كبير، وغيرها من الأخطاء التي لا تكاد تمر حلقة واحدة دون أن نراها والتي على محمد رمضان والمخرج ياسر سامي التركيز قليلًا حتى لا يقعوا فيها بدلًا من ترديد الأول شعارات لا نعلم متى سيكُف عن إطلاقها.
محمد رمضان الذي يتحدى نفسه هذا العام بشخصيتين بين كاهل وشاب في مسلسل واحد، ويحاول بناء علاقة جديدة مع الجميع بإثبات قدرته على الابتعاد عن نمط أدوار البلطجة والعنف التي لازمته في الكثير من أدواره، يقع أيضًا في أخطاء كثيرة من هذا النوع بـ"نسر الصعيد" ويواصل تعرض شخصه للانتقاد الذي يُقلل بالطبع مما يُقدّمه من فن، كالمشهد الخارج الذي حذفته قناة DMC ونشره هو عبر حسابه بـ"يوتيوب"، ومشهد آخر له معها ضمن أحداث الحلقة الثانية، ولا نستطيع وصفه، إلا أنه أيضًا تباهى به عبر حسابه بـ"فيسبوك".
لا ننكر نجاح رمضان، ولا نستطيع أن نتغافل عن أن الأرقام في صالحه بالفعل، وأن ابن الثلاثين نجح في تحقيق شعبية كبيرة تستطيع بالفعل أن تجعله رقم 1 دائمًا إذا ما كان الرهان عليها، إلا أننا في المقابل لا نعلم سرًا لإصرار رمضان وكونه لا يكّل ولا يمّل من ذكر أنه "رقم 1"، وفي سبيل ذلك يُقلل من شأن زملاء آخرين منافسين له، كما كتب أول أمس عبر "فيسبوك": "الحمد لله رقم واحد لليوم التاسع على التوالي، يوتيوب وجوجل مابيكدبوش يا مُمول يا عبيط"، نود أن نُعلِم رمضان أننا لم نشاهد أي مسلسل "ممول" عبر "يوتيوب" في رمضان.
على "الأسطورة" بدلًا من إشاداته بنفسه، والتلاسن الذي لا يكُف عنه، أن يُركز في الصراع الحقيقي وهو صراع الأداء، وأن يكون "نسر الصعيد" عملًا يستحق المتابعة بالفعل، ولتأخذ الحكمة من اسم العمل، فالنسر طائر قوي شرس وأكبر الطيور الجوارح في العالم، إلا أنه رغم ذلك لا يقترب من فريسته حتى تلفظ أنفاسها.. كن أذكى من ذلك حتى يظل نسرك قويًا جامحًا بدلًا من أن يسقط أرضًا.