محمد رشدي «صوت الفلاحين».. حاربه حليم وقتله الغياب
ما زال صوت محمد رشدى المنساب المرن السهل محفورًا فى وجدان الملايين بأغانِ استقت مفرداتها من روح الشعب، وسيظل رشدي أحد الرموز المضيئة فى تاريخ الأغنية الشعبية العربية.
تحرير:عبد الفتاح العجمي٢٠ يوليه ٢٠١٩ - ٠٤:٠٠ م
محمد رشدي
محمد رشدي.. لسان الفلاحين البسطاء وكلمة الطبقة الكادحة وصاحب الصوت الشجي الشعبي الذي ذاع صيته في أقصى شمال المحروسة بليالي مولد سيدى إبراهيم الدسوقي وهو لا يزال صبيًا، غزا العاصمة في شبابه مع بداية الخمسينيات ليُصبح ابنًا لـثورة 23 يوليو 1952 وأحد المعبرين عنها، احتل مكانة رفيعة في الحياة الموسيقية المصرية والعربية، بفضل ما قدمه من أعمال غنائية ذات طابع شعبي، كما تناول فى أغانيه معانى جديدة على هذا اللون من الغناء، ولاقى قبولًا جارفًا وحقق نجاحًا ساحقًا.
محمد رشدي.. لسان الفلاحين البسطاء وكلمة الطبقة الكادحة وصاحب الصوت الشجى الشعبي الذى ذاع صيته فى أقصى شمال المحروسة بليالى مولد سيدى إبراهيم الدسوقي وهو لا يزال صبيًا، غزا العاصمة فى شبابه مع بداية الخمسينيات ليُصبح ابنًا لـثورة 23 يوليو 1952 وأحد المعبرين عنها.
النشأة
هو محمد محمد الراجحى، المولود
محمد رشدي.. لسان الفلاحين البسطاء وكلمة الطبقة الكادحة وصاحب الصوت الشجى الشعبي الذى ذاع صيته فى أقصى شمال المحروسة بليالى مولد سيدى إبراهيم الدسوقي وهو لا يزال صبيًا، غزا العاصمة فى شبابه مع بداية الخمسينيات ليُصبح ابنًا لـثورة 23 يوليو 1952 وأحد المعبرين عنها.
النشأة
هو محمد محمد الراجحى، المولود فى 20 يوليو عام 1928، فى مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، لأسرة متوسطة الحال، نشأ وترعرع فى وسط دينى، وكان يسكن قرب مسجد العارف بالله سيدى إبراهيم الدسوقي، وحرص والده على أن يحفظ القرآن الكريم ويؤدى فروضه باستمرار، وأخذ طريقه إلى المسجد يسمع ويقرأ حتى أقام الأذان ولفت الأنظار لصوته، وهو ما يزال صبيًا.
أم كلثوم.. والبداية
كانت اللحظة الفاصلة فى حياة رشدي الغنائية، عندما أُقيم احتفال بمناسبة نجاح ابن العمدة فريد باشا زعلول، فى الانتخابات ليصبح عضوًا فى مجلس النواب، وكانت أم كلثوم هى التى تُحييه، وقام صاحب الدعوة بتقديمه إليها، وعندما استمعت له الست أُعجبت بصوته وتنبأت له بمستقبل كبير فى عالم الغناء، وأوصت بضرورة انتقاله إلى القاهرة كى يتعلم الموسيقى ويلتحق بإحدى الفرق الغنائية هناك.
ما أن انتهى رشدى من دراسته الثانوية عام 1948، حتى قرر أن ينتقل إلى القاهرة ليبدأ مشواره الفنى بـمعهد الموسيقى العربية، وكان من بين زملائه محمد الموجي وفؤاد حلمى، ودرس التواشيح على يد الشيخ درويش الحريرى، والعود على يد منصور عوض، وعاش فى العاصمة حياة صعبة، وكانت أسرته ترسل له ثلاثة جنيهات كمصاريف شهرية.
عمارة ليلى مراد
لعبت الصدفة دورها مرة أخرى فى حياة رشدى، ليكون محل سكنه فى نفس عمارة مُلهمته ليلى مراد، وكان أول لقاء بينهما أمام باب الأسانسير، حيث وقف مذهولًا ولم ينطق حين رآها، وكان يحمل العود فى يديه فسألته: "أنت موسيقي؟"، فأجابها: "مطرب"، فردت عليه: "هو فى مطرب تخين وبكرش كده؟"، وسألته عن اسمه الذى كان وقتها محمد الراجحى قبل أن يعرفه الناس بمحمد رشدى، وانتصر القدر له بعد فترة، وحينما تم اللقاء الثانى بينهما قالت له ليلى: "أنا متبعاك يا محمد وبسمعك.. خليك محافظ على لونك واوعى يضحكوا عليك ويخلّوك قاهرى".
سرقة عبد الوهاب
ومن المحطات التى لا تُنسى خلال هذه المرحلة إقامته فى حى باب الشعرية بالقاهرة، مع أحد أبناء قريته الذى كان يعمل فراشًا بمكتب الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكان رشدى يذهب إليه يوميًا ليجلس فى البوفيه ويستمع إلى موسيقار الأجيال، وتصادف أنه كان يُلحّن فى هذه الفترة أغنية "إنت إنت"، فسمع رشدى الأغنية وحفظها وغناها فى الأفراح، مما عرَّض عبد الوهاب لموقف محرج عندما قرر أن يُقدّمها للجمهور لأول مرة فى حفل بدار سينما راديو، ففوجئ بهم يتهمونه بعد سماعها بأنه سرقها من مطرب شاب، أخذ عبد الوهاب منذ هذه اللحظة يبحث عن هذا الشاب الذى سرق منه أغنيته وشوَّه سمعته، حتى ضبطه فى مكتبه ومنعه من دخول منزله.
الإذاعة
لم يمض عامان إلا وسمعه الإذاعى على فايق زغلول، فشجعه على الالتحاق بالإذاعة، وبالفعل تقدم للاختبار ومعه المطرب الشاب عبد الحليم شبانة الذى أصبح فيما بعد عبد الحليم حافظ، وتقرر أن يُسجل أغنية تجيزها لجنة مكونة من "أم كلثوم، محمد القصبجي، وعبد الوهاب"، وبمجرد أن رآه الأخير قال له: "مش أنت اللى سرقت أغنيتي؟"، ما أثار خوف رشدى من أن يتعمّد عبد الوهاب إفشاله، لكنَّ ما حدث كان عكس ذلك وتجاوز الاختبار بنجاح، وقدّم أولى أغانيه فى الإذاعة وهى "قولوا لمأذون البلد" التى حظيت بشهرة كبيرة.
عندما غنى للمرة الأولى للإذاعة كان الفنان سعد عبد الوهاب وقتها مراقب الموسيقى والغناء، فما كان منه بعد انتهاء محمد من الغناء إلا أن قال لجمهور المستمعين: "استمعتم للمطرب محمد رشدى"، ذلك الأمر أغضب الأخير، وقال: "ليه كده يا أستاذ عبد الوهاب؟"، فرد عليه عبد الوهاب إن اسم محمد رشدى أكثر سلاسة، ومن يومها أصبح اسمه.
تحت الشجر يا وهيبة
تعرض محمد رشدي لحادث كبير عام 1959، رحل فيه كل من كان معه فى السيارة، عندما شارك فى إحياء حفل للقوات المسلحة فى السويس، وأثناء العودة انقلبت السيارة ومات خمسة أفراد، بينما أُصيب هو بكسور متفرقة فى جسده، واضطر لإجراء عملية تجميل فى وجهه، وغنى "تحت الشجر يا وهيبة" وساقه حبيسة الجبس.
أدهم الشرقاوي
وفى عام 1961، كان أول من غنى فى الإذاعة الملحمة الشعبية "أدهم الشرقاوي" بعد طلب من رئيسها أمين حماد، وكتبها الشاعر محمود إسماعيل، وأخرجها يوسف الحطاب، وغنى رشدي 85 موالًا من ألحانه تروى حكاية ذلك البطل الشعبى فحقق شهرة كبيرة وأصبح العمل من الكلاسيكيات.
الثلاثي.. وحليم
مسيرة الفنان محمد رشدى بلغت ذروتها عندما التقى الرائعين عبد الرحمن الأبنودي شاعرًا، وبليغ حمدى ملحنًا، وكان هذا سبب لبداية بزوغ نجم الأغنية الشعبية، حيث كونوا معًا فريقًا أثمر عن العديد من الأغنيات التى لا زال يتردد صداها إلى الآن، مثل: "تحت الشجر يا وهيبة، عدوية، بلديات، وسع للنور، يا ناعسة، خبريني".
حقق الثلاثى رشدى والأبنودى وبليغ نجاحًا ساحقًا بلغ قمته فى أغنية "عدوية"، التى اجتاحت بألحانها كل حارة مصرية آنذاك، وما أن وصلت إلى أسماع عبد الحليم حافظ، حتى أثارت غيرته، وعلى الفور تواصل حليم مع الأبنودي وطلب منه أغنية بنفس اللغة، فأعطى له "توبة"، شريطة أن يُلحنها بليغ حمدي، وهو ما تم بالفعل، وامتدت غيرة حليم إلى منع بث أغنية "حسن المغنواتى" لرشدي فى الإذاعة، بحجة أنها تقتبس جملة من أغنية "توبة".
الحلاق.. وعرباوى
بعدما تمكن عبد الحليم حافظ من الاستحواذ على شاعره الأبنودى، وملحنه بليغ، ظل رشدى يبحث عن بدائل، ومن أهم أغانيه فى تلك الفترة "عرباوى"، والتى لحّنها الموسيقار حلمى بكر، وكتب كلماتها الحلاق حسن أبو عتمان.
المشوار الفني
غنى محمد رشدى، أكثر من 600 أغنية ما بين الشعبى، والعاطفى، والدينى، والوطنى، إلا أنه اشتُهر بالأول، ومن أشهر أغانيه: "طاير يا هوا، عالرملة، كعب الغزال، مغرم صبابة، ميتى أشوفك، وهيبة، يا عبد الله يا أخويا سماح، يا ليلة ما جانى الغالى"، كما غنى عددًا من الملاحم الشعبية الأخرى فى الإذاعة مثل "الميثاق، قصة فلاح، 6 أكتوبر"، واشترك فى جميع احتفالات 6 أكتوبر بدءًا من عام 1973، وصدر له 25 ألبومًا غنائيًا، ومع تغير وضع السوق الفنى، وتقدم رشدى فى السن، عاد مرة أخرى من خلال ألبوم أخير، بعنوان "قطر الحياة" عام 2004.
الغياب
وفى أبريل عام 2005، وبينما رشدي فى مدينة الإنتاج الإعلامى لتصوير آخر أغنياته "قطر الحياة"، أُصيب بالتهاب رئوى وتم نقله للمستشفى، وظل أكثر من 30 يومًا بالعناية المركزة، ولخّص الطبيب المعالج لأسرته حالته فى أواخر أيامه بأنه فاقد الرغبة فى الحياة، لقلة التقدير والاهتمام الذى كان يتوقعه، وكان يُردد مقولة: "أنا خدمت البلد 50 سنة غُنا.. هل يُعقل أن رئيسها لا يتصل بى مرة واحدة وأنا لم آخذ منه يومًا مليمًا واحدًا؟"، حسب نجله "طارق"، وفى مساء 2 مايو 2005، فارق دنيانا، وتم تشييع جثمانه فى اليوم التالى إلى جوار مدفن عبد الحليم حافظ.