في السادس من أغسطس الجاري، دخلت السلسلة الأولى من العقوبات الأمريكية على إيران، والتي جاءت بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الاتفاق النووي الإيراني، حيز التنفيذ.
قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق المعروف رسميا بـ"خطة العمل المشتركة الشاملة"، جاء لعقاب النظام الإيراني بسبب ما تقوله
في السادس من أغسطس الجاري، دخلت السلسلة الأولى من العقوبات الأمريكية على إيران، والتي جاءت بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الاتفاق النووي الإيراني، حيز التنفيذ.
قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق المعروف رسميا بـ"خطة العمل المشتركة الشاملة"، جاء لعقاب النظام الإيراني بسبب ما تقوله الإدارة الأمريكية من عدم التزام طهران ببنود الاتفاق، ودعم الجماعات الإرهابية.
إلا أن قرار ترامب بإعادة فرض العقوبات على إيران تسبب في آثار سلبية على العراق، حيث قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن ذلك ألحق خسائر كبيرة بالمستثمرين العراقيين في وقت تواجه فيه بغداد اضطرابات بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
فبعد تعثر اقتصاد بلدهم عام 2015 تحت وطأة سيطرة تنظيم داعش على أجزاء كبيرة من البلاد، وضع العراقيون ملايين الدولارات في البنوك الإيرانية التي كانت تقدم أسعار فائدة عالية بعد اتفاق إيران النووي مع الولايات المتحدة.
حيث استخدم العديد من العراقيين "البغال" لنقل آلاف الدولارات إلى إيران عبر الحدود، للالتفاف على القوانين التي تنظم كمية الأموال التي يمكن إخراجها من البلاد.
إلا أنه مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، انخفضت قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته التاريخية، مما جعل المستثمرين في حيرة من أمرهم.
وتعد الأزمة المالية العراقية مثالًا صارخًا على الدور الذي يلعبه التنافس بين طهران وواشنطن في زعزعة استقرار العراق، الذي يواجه استياء واسع النطاق بسبب الانهيار الاقتصادي، والقلق من تعطل الانتقال السياسي.
كما توضح تداعيات العقوبات، كيف أن الوضع الاقتصادي للمواطنين العراقيين العاديين، يرتبط ارتباطا وثيقا بالسوق الإيرانية، أكثر من ارتباطه بالولايات المتحدة، التي نادرا ما يظهر تأثيرها في الحياة اليومية في العراق.
اقرأ المزيد: كيف تؤثر العقوبات الأمريكية على إيران؟

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن إعادة فرض العقوبات التجارية على إيران الأسبوع الماضي، أثارت حالة شرسة من الجدل في كل من بغداد وطهران بسبب إعلان العراق التزامها بالعقوبات.
حيث يعد العراق شريكا تجاريا رئيسيا لإيران، إلا أن هذه الحالة من الجدل، كانت تدور بشكل كامل حول الولاءات السياسية للعراق.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد صرح الأسبوع الماضي بأنه يعارض فرض العقوبات من حيث المبدأ، ولكن ليس أمامه خيار سوى احترامها.
وأثار ذلك رد فعل عنيف في الداخل العراقي، وفي إيران، حيث وصف حلفاء طهران في العراق هذا القرار باحترام العقوبات، بأنها خيانة بعد دعم إيران للعراق في حربها ضد تنظيم "داعش".
واستجابة لردود الأفعال، تراجع العبادي، يوم الإثنين، عن التزامه السابق، قائلا إن العراق لن يمتنع إلا عن القيام بأعمال تجارية مع إيران بالدولار الأمريكي، وقال إنه لم يتخذ قرارا بعد بشأن ما إذا كان العراق سيعلق واردات السلع الرئيسية من إيران.
وفي محاولة لمساعدة طهران، قال العبادي إن رسوم تأشيرة الحجاج الإيرانيين إلى الأماكن المقدسة الشيعية في العراق ستُخفض لتعويض انهيار قيمة الريال الإيراني.
لكن بالنسبة للكثير من العراقيين، فإن الأزمة أكثر تأثيرًا على أرض الواقع، فمنذ أن أعلن الرئيس ترامب قراره بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية، فقد الريال الإيراني ما يقرب من 50% من قيمته مقابل الدولار.
ويبدو أن هذه الأزمة مستمرة، حيث يتوقع المحللون أن يواصل الريال خسارته في نوفمبر، عندما يبدأ تنفيذ الجولة الثانية من العقوبات الأمريكية على مبيعات النفط الإيرانية.
اقرأ المزيد: كيف سيعيش الإيرانيون بعد تطبيق العقوبات الأمريكية؟

ونقلت الصحيفة عن بيجان خاجيهبور، الخبير في القطاع المصرفي الإيراني قوله بأن "عامل الجذب الرئيسي للاستثمار في البنوك الإيرانية، كان معدل سعر الصرف الثابت نسبيا، والذي انهار الآن".
إلا أن هذا كان أشبه بالمصيدة للعديد من العراقيين مثل حسين الكعبي، وهو مستثمر عقاري يبلغ من العمر 41 عامًا، أودع مدخراته التي تقدر بنحو 150 ألف دولار في بنك إيراني يعرض 20٪ من الفائدة في عام 2015.
في ذلك الوقت كان سوق العقارات العراقي ينهار في مواجهة تهديدات تنظيم داعش، حيث يتذكر الكعبي "توقف الناس عن شراء المنازل لأن المستقبل غير معروف".
ولكن في طهران، كان المستقبل أكثر إشراقا، حيث وقعت إيران لتوها على اتفاقية نووية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي وعدت بسحب اقتصاد إيران من العزلة.
الآن، الأمر أصبح مختلفًا، حيث يقدر الكعبي أن خسائره، أعادته 10 سنوات إلى الخلف، قائلًا "الأمريكيون لم يفعلوا أي شيء جيد في الشرق الأوسط، كل ما يفعلونه يدمرنا، سواء عسكريا أو سياسيا أو ماليا".
ففي الوقت الذي يلوم فيه الكعبي إدارة ترامب على خسارته المادية، فإن آخرين يشعرون بالإحباط من الحكومة الإيرانية بسبب عدم مواجهتهم الوعود غير الواقعية بتقديم فائدة تتراوح بين 20 و25%.
وقال ناظم الخفاجي، وهو صاحب فندق يبلغ من العمر 60 عامًا، إنني "ألقي باللوم على الحكومة الإيرانية لأنهم لعبوا لعبة قذرة"، حيث فقد الخفاجي أكثر من 50% من الـ100 ألف دولار التي أودعها في بنك حكومي إيراني في إبريل 2015.
ومن جهة أخرى ألقى بعض الخبراء باللوم على المستثمرين العراقيين.
حيث صرح بسام جميل أنطوان، وهو خبير اقتصادي عراقي لـ"واشنطن بوست" بأن "القانون لا يحمي المغفلين"، مضيفًا أنه من المستحيل معرفة عدد العراقيين الذين يضعون أموالهم في البنوك الإيرانية لأنها كانت تتم في الغالب بطريقة غير قانونية بالأموال المهربة عبر الحدود.
اقرأ المزيد: آثار العقوبات الأمريكية على إيران تصل إلى أفغانستان

وأشار إلى أن البنوك الإيرانية لم تستهدف العراقيين بالإعلانات، بل اعتمدت على الدعاية الشعبية، في المراكز السكانية الشيعية الكبيرة مثل النجف والبصرة وكربلاء التي تستضيف ملايين الحجاج الإيرانيين سنويا.
وأكمل أنطوان بأنه نصح الناس بعدم إيداع الأموال في البنوك الإيرانية بسبب تذبذب حركة العملة، وأن الوعد بتحقيق عوائد بنسبة 20%، ينبغي أنيكون بمثابة جرس إنذار.
وقال "كنت أعلم أن هناك شيئًا مريبًا لأنه لا يوجد في أي مكان في العالم بنك يقدم 20%، إن 2 أو 3 أو حتى 4% أمر معقول، لكن ليس 20%".
ونصت شروط الإيداع في بعض البنوك الإيرانية، على تحويل المبلغ المودَع من الدولارات إلى الريال، وأنه لا يمكنه سحب أي مبلغ لسنة كاملة، ومن ثم، فإن أي سحب لأي أموال يجب أن يكون بالريال الإيراني، وليس بالدولار.
ويرى كريم ساجادبور، الخبير الإيراني في مؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي، أن أسعار الفائدة الفلكية التي تقدمها البنوك الإيرانية كانت "سرابًا".
وأضاف "عندما تفكر في مدى حساسية البلاد للتضخم المرتفع أو تخفيض قيمة العملة الإيرانية، فإن وضع مبالغ كبيرة من المال في البنوك الإيرانية، يعد رهانًا خطيرًا".
ولجعل الأمور أكثر سوءًا للمستثمرين العراقيين الذين يتطلعون إلى إنقاذ ما تبقى من أموالهم، فرضت البنوك الإيرانية الآن قيودًا صارمة على عمليات السحب، وقيدتها بما يعادل نحو 200 دولار في اليوم.